حركة الاخوان المسلمين من حركات الاسلام السياسي ذات التاريخ الطويل ... ومنذ نشأتها وما اعترى ظروف تأسيسها ...و أحاطها من غموض ولغط وتساؤلات.... أوصلت الى حد الخلاف مع باقي القوى والأحزاب التي كانت في تلك الحقبة الزمنية .
عمل الاخوان وعلى مدار سنوات نشاطهم التنظيمي على انتهاج سياسة الدعوة... طريقا وأسلوبا لاكتساب عواطف من حولهم ... قبل اكتساب العقول ... أي أن مدخلهم بداية ... وما هو محرك لنشاطهم ... وما كان منطلقا لدعوتهم هو الواعز الديني... بما يحيطه من سياسة لم تكن واضحة في ذلك الحين.
التوعية والتعبئة الدينية ... والاستقطاب الذي صاحبها... بطريقة أو بأخرى... من خلال المفاهيم والمبادئ التي صاحبت عملية الدعوة الدينية لأجل ترسيخها ... وحتى لا تكون الدعوة دينية خالصة... كان يتخللها اجتهادات فكرية لمؤسسها الشيخ حسن البنا رحمه الله... وما تم بعد ذلك من تغذية فكرية لأقطاب الجماعة وعلى رأسهم السيد قطب رحمه الله .
عمل الاخوان على مشاعر الدين... واستعطاف الناس... ومخاطبة احتياجاتهم وظروفهم المعيشية والاجتماعية... دون أن يكون لديهم حلولا ممكنة لكافة المعضلات التي كان يعاني منها الناس ... لكنهم تمكنوا بفعل جهودهم وانتشارهم واستقطابهم... أن يجمعوا من المال الوفير ... وان يستثمروا هذا المال بمشاريع ذات عائدات مالية... تمكنهم من الصرف المالي ... والتغطية على مشاريعهم وتوجهاتهم ... وما يريدون تحقيقه من أهداف .
حركة الاخوان المسلمين وحتى لا ندخل بتاريخهم وما لهم وما عليهم ... لكن تجربتهم الطويلة بالعمل السري ولفترة طويلة ... وانتقالهم للعمل العلني... ولد لديهم حالة من التخبط ... وعدم المقدرة على صياغة العلاقات ... على اعتبار أنهم يجيدون صم الاذان... واغلاق العقول ... وأن لا يستجيبوا لناصح او عاقل ... بل يتركوا امورهم لما يقولون عنه شورتهم ... في ظل شورتهم القائمة... على السمع والطاعة ... وهذا ما ضيق مساحة الابداع لديهم ... ومساحة الفكر السياسي القادر على أخذهم الى مواقع متقدمة ... يمكن من خلالها أن يقدموا نموذجا حزبيا سياسيا... على مقدرة ومرونة من نسج العلاقات والبناء على القائم ... واحداث التغييرات بمفاهيم الشراكة والتعاون ... وليس الاقصاء والتفرد .
تجربة الاخوان المسلمين فشلت في تونس... كما فشلت في مصر ... وفشلت في ليبيا ... ولا زالت تفشل في اعطاء الانطباع على أنها حركة قادرة على النهوض بحالة الأمة الاسلامية ... على اعتبار انهم يجدون بفكرهم قدرة عالية... وامكانية متاحة للنهوض بحالة الأمة الاسلامية وبناء مشروع الدولة الاسلامية... وعلى قاعدة وشعار الاسلام هو الحل .
واجب المصارحة... بأن تكون حركة الاخوان ما بعد التجربة واستخلاصاتها في موقف المراجعة والتقييم... والحساب... فليس من المنطق... ولا من الدين... أن تستمر حركة الاخوان بمواقفها وسياساتها... وحتى تحالفاتها التي سقطت رويدا رويدا... فلقد سقط تحالفهم مع ايران كما سقط تحالفهم مع سوريا... وحزب الله... كما يسقط تحالفهم على الطريق مع تركيا ولا يستبعد ان يسقط التحالف مع قطر الحائرة في أمرها .
الاخوان المسلمين كتب عنهم الكثير ... وتم توجيه الانتقادات الحادة لهم... ولكنهم من الحركات الدينية السياسية التي لا تستجيب للدعوات ... ولا تتعاطى مع سياسة الانفتاح ... الا بالقدر الذي يخدم مصالحها ويعزز وجودها وهذا ما يسجل عليهم ... وما يؤخذ على مواقفهم باعتبارهم حركة غير قادرة على الانفتاح ... ربما لصعوبة تركيبتهم وتعبئتهم الفكرية والتنظيمية والتي لا توفر امكانية لغة الحوار... والتفاهم والتقارب... ما بين المواقف ... وهذا لا يعني تطرف مواقفهم ... بل نجد في بعض المواقف... من المرونة والعقلانية ما يستوجب استمرار الحوار والنقاش معهم ... لكن الخوف والحذر... أن تكون الاصوات المعتدلة والعاقلة ليست قادرة على تنفيذ توجهاتها... وفرض ارادتها... لاعتبارات شاهدة على الأحداث أن صقور الحركات السياسية .... اكثر قوة وتأثيرا من حمائمها... وهذا ليس بالحركات الدينية فقط بل ينسحب على جميع الحركات السياسية بكافة توجهاتها ومنطلقاتها الفكرية .
ضرورة المصارحة... من وجهة نظر المحللين والكتاب وبعض القوى السياسية... لا تكون بذات الدرجة من القبول لدى حركة الاخوان ... وهذا ما يجب ان يدخل حركة الاخوان في مرحلة التصالح الذاتي... والوقوف على الأخطاء ومعالجتها ... وادراك الاتجاهات والمتغيرات ... وان ما يحدث للمرة الأولى من صراع وتراشق اتهامات ما بين فريقين قياديين من الاخوان يشير الى مدى عمق الصدمة... التي ألمت بحركة الاخوان نتيجة خسائرها المتلاحقة ... وتحالفاتها التي تتساقط تحالف... ما بعد تحالف ... وهذا ما يستوجب على حركة الاخوان اعادة صياغة مواقفها وتحالفاتها من جديد ... فلربما تنقذ ما يمكن انقاذه .
بقلم / وفيق زنداح