أيام قليلة وينقضي شهر كانون الأول ولم يعقد المجلس الوطني الجلسة التي كان من المقرر عقدها هذا الشهر بعد أن تم تأجيلها من شهر أيلول، ومن غير المعروف متى ستعقد، فلم يُحدد موعد لعقد المجلس، ولم تشهد الأشهر الماضية تحضيرات حقيقية بالرغم من عقد اللجنة التحضيرية - التي تأخر تشكيلها - اجتماعين لم يتمخض عنهما شيء كثير سوى أنّ العمل جارٍ لتحديد وتجديد العضوية، خصوصًا لجهة استبدال الفصائل والاتحادات الشعبية لممثليها، إضافة إلى دعوة حركتي حماس والجهاد إلى المشاركة في اللجنة التحضيرية، شريطة أن تمكّن حكومة الوفاق الوطني من القيام بمهامها في قطاع غزة!.
ولم يبدأ الإعداد للبرنامج السياسي، مع أن البرنامج المعتمد سابقًا يحتاج إلى تعديلات جوهرية حاسمة بعد التطورات والمتغيرات العاصفة. كما لم يشرع الصندوق القومي في إعداد تقريره للمجلس، الأمر الإلزامي وفق النظام الأساسي للمجلس.
من الطبيعي عدم دعوة الإطار القيادي المؤقت للمنظمة المنصوص عليه في "اتفاق القاهرة" ما دام التحضير جارٍ لعقد المجلس الوطني لجلسة عادية بمشاركة "حماس" والجهاد، لأن تشكيل هذا الإطار ومدة عمله كانت انتقالية إلى حين عقد المجلس الوطني.
هذا المشهد كما يبدو من الخارج، أما ما يجري في الكواليس فمختلف جدًا. فعلى سبيل المثال عندما نسأل: أين ستعقد جلسة المجلس الوطني؟ تسمع إجابات مختلفة: بين من يقول في فلسطين المحتلة بلا تردد، وبين من يقول في الخارج بلا تردد، وهناك فرق حاسم بين عقده تحت بسطار الاحتلال، وبين عقده في الخارج، لأن عقده في الضفة لن يمكّن الكثير من أعضاء المجلس الوطني من الحضور، بمن فيهم قادة بارزون في "حماس" والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وأعضاء المجلس التشريعي الغزيون من "حماس" الذين حصلوا على عضوية المجلس الوطني تلقائيًا؛ إما لعدم حصولهم على تصاريح تمكنهم من المشاركة، أو خشيتهم من الاعتقال.
وعندما تسأل عن الكيفية التي ستشارك فيها حماس والجهاد، تسمع أجوبة مختلفة بين من يَقْصُر مشاركتهم على أعضاء المجلس التشريعي، متناسيًا عدم تمكن أعضاء "حماس" من المشاركة، وعدم وجود أعضاء ل"الجهاد" في التشريعي، وأنّ هذا يرجّح عدم تمثيلهم إطلاقًا أو بشكل يناسب حجمهما في المجلس المركزي للمنظمة ولجنتها التنفيذية، وبين من يقول إن "حماس" والجهاد يمكن أن يتم الاعتراف بهما كتنظيمين والمشاركة أسوة بغيرهما من الفصائل المعتمدة، وهنا تتباين الآراء عن شروط الاعتراف بحماس كتنظيم وعن عدد ممثليها، وهل سيكون مساويًا لفتح، أم أقل، أم ماذا؟ وما هو موقف حماس في كل حالة؟
وحين يبدأ النقاش الجدي، تظهر الآراء الحقيقية التي تقول إن الرئيس و"فتح" لا يمكن أن يوافقوا على مشاركة "حماس" في المجلس الوطني إلا إذا توفرت الشروط الآتية:
أولًا، إنهاء سيطرتها على قطاع غزة، من خلال تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة عملها في قطاع غزة، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية. وهناك اقتراح بإعادة تشكيل حكومة الوحدة التي تشكلت بعد "اتفاق مكة"، وإذا لم يرغب الرئيس برئاستها فيمكن الاتفاق على شخصية توافقية.
ثانيًا، موافقة "حماس" على برنامج المنظمة والتزاماتها حتى لا تؤدي مشاركتها إلى سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، وربما من أطراف دولية أخرى، بالمنظمة، وتوجيه عقوبات مختلفة ستكون لها عواقب وخيمة، أو على الأقل – في الحد الأدنى - أن تلتزم الحكومة بما سبق.
ثالثًا، ألا تتيح مشاركتها في المجلس وحدها أو مع أي حلفاء مضمونين أو محتملين الحصول على أغلبية تمكنها من السيطرة على المنظمة.
هذه الشروط توضح أن مشاركة "حماس" في المنظمة ليست سهلة ولا قريبة كما يتخيل البعض. وهذا ما يفسر الدعوة المبطنة حينًا والمعلنة حينًا إلى تفضيل عقد جلسة عادية للمجلس الوطني بقوامه الحالي من دون تعديلات جوهرية، مثل ضم "حماس" والجهاد، على أن تكون هذه الجلسة هي نهاية الدورة الحالية للمجلس، بحيث يُتّخذ قرار بالتحضير لعقد جلسة بتشكيل جديد للمجلس الوطني يتم الاتفاق على شروطه ومتطلباته خلال مدة يتفق عليها (عام مثلًا).
في هذا السياق، إن المرغوب فيه والمفضّل – وفق ما يريده الرئيس وحركة فتح - أن تعقد جلسة عادية للمجلس الوطني من دون مشاركة أو بمشاركة محدودة ورمزية لحماس والجهاد، يتم فيها إعادة ترتيب الأوضاع داخل "فتح" وفصائل المنظمة الأخرى، وتفعيل المنظمة، والعمل بعد ذلك على التحضير لعقد مجلس وطني جديد على أسس وبرنامج يتفق عليه. وما يمنع هذا الاحتمال من التطبيق أنه بحاجة إلى اتفاق داخل "فتح"، وهذا غير متوفر حتى الآن في ظل التأجيل المتكرر لعقد مؤتمر "فتح" السابع لعدم اكتمال التحضيرات، والأصح لعدم الاتفاق على النتائج والخشية منها إذا لم يُتّفق عليها سلفًا، إضافة إلى عدم الاتفاق بين "فتح" وبقية فصائل المنظمة، لا سيما بعد أن أعلنت الجبهة الشعبية قرارها بمقاطعة جلسة المجلس لو عقدت في شهر أيلول الماضي، وفي ظل موقف الجبهة الديمقراطية حمّال الأوجه.
تأسيسًا على ما سبق، فإن المخرج المناسب خلال هذه الفترة الانتقالية من اليوم حتى عقد مجلس وطني بتشكيل جديد هو عقد الإطار القيادي المؤقت، وإزالة اعتراض الرئيس و"فتح" على عقده، لأنه باعتقادهم يمس بشرعية المنظمة، ويعرضها للعقوبات، ويعطي لحماس شراكة في المنظمة في الوقت الذي تسيطر فيه بشكل انفرادي على غزة. إن هذه الاعتراضات على وجاهتها يمكن التقليل من أضرارها وتعظيم فوائدها من خلال التمسك بماء جاء في "اتفاق القاهرة"، الذي نصّ على قيام الإطار القيادي المؤقت بدوره بما لا يمس صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة. وهذا من شأنه أن ينزع أي ذرائع من أيدي حكام واشنطن وتل أبيب، ويؤجل انضمام "حماس" والجهاد إلى المنظمة، ولكنه يوفر إطارًا للحوار وللقيادة الفلسطينية يساعد على التقدم على طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
وحتى يكون الإطار المؤقت قادرًا على القيام بمهامه، لا بد من توسيع المشاركة والتمثيل فيه، بحيث يضم عددًا كبيرًا عن ممثلي المرأة والشباب والشتات، خصوصًا القطاعات والتجمعات غير الممثلة فيه بشكل يتناسب مع حجمها ودورها.
نحن نعيش في وضع غير عادي، ولا ينفع معه الاعتماد على المؤسسات الهرمة كما هي ولا استخدام الوسائل التقليدية، وعلينا أن نعترف بأنّ الجسم الفلسطيني مصاب بمرض عضال ولا تنفع حبة الإسبرين لعلاجه، فلا ينفع ونحن نقول إننا سنعيد تقييم علاقتنا مع الاحتلال، وسنوقف الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية معه، وأننا بحاجة إلى مسار جديد، في نفس الوقت نطالب "حماس" بالالتزام بالاتفاقيات، ونعتبر المنظمة صالحة كما هي، وما تحتاجه مجرد تصليحات طفيفة، بالرغم من مضي أكثر من خمسين عامًا على تأسيسها، جرت فيها مياه كثيرة تغيّرت فيها فلسطين وإسرائيل والمنطقة والعالم بحكم المتغيرات العاصفة والزلازل المدمرة، وبالرغم من تغير الخارطة السياسية الفلسطينية بعد عقد "اتفاق أوسلو"، وما أدى إليه من تقزيم المنظمة لصالح السلطة، ومن صعود فصائل العمل الإسلامي؛ فلا بد من إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني، وإعادة بناء مؤسسات المنظمة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة سياسية حقيقية، سواء شاركت فيها "حماس" أم لم تشارك.
المطلوب الشروع في حوار وطني شامل للإجابة عن أسئلة: أين نقف الآن، وأين نريد أن نصل، وكيف نصل إلى ما نريد؟، والاتفاق أولًا على عقد اجتماعي يجسد القواسم المشتركة، وما أطلقنا عليه "ركائز المصلحة الوطنية العليا"، وثانيًا بلورة رؤية وخارطة طريق، بعد ذلك لنختلف على أي شيء، ومن دون ذلك فكل ما يجري طحن ماء دون جدوى. وإذا لم تقم القيادات والنخب بما عليها كما يحصل حتى الآن، فهذا يلقي المسؤولية على الشعب القادر على إنتاج نخب وقيادات جديدة، ولعل الموجة الانتفاضية، وأشكال المقاومة على تنوعها، وحملة المقاطعة، ولجان حق العودة، وصمود غزة، ونضال شعبنا في الداخل، وحركة التضامن الدولية المتعاظمة، والنهوض الثقافي حامل الهوية الوطنية الفلسطينية؛ كلها بشائر المرحلة القادمة.
هاني المصري
2015-12-22