كان لتسوية موسكو و واشنطن للملف السوري على طاولة مجلس الامن بعد موافقته بالإجماع علي القرار 2254 الخاص بسوريا، ثم لتطبيع العلاقات بين أنقرة و تل أبيب تأثير واضح فى مسار العلاقات السياسية بين عواصم القرار بأقليم الشرق الاوسط و بتأكيد تلك المسارات السياسية الجديدة ستلقي و لو بجزء من ظلالها على باقي الجوانب الاخري و التى تدير المعركة فى الكواليس، فبمساء الاربعاء 16 ديسمبر الجاري أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري فى لقاء تلفزيوني عن رغبة مصر فى عودة علاقاتها مع تركيا بالتزامن مع تصريحات كثيرة فى تركيا عن امكانية أعادة العلاقات التركية المصرية خاصة بعد عودة العلاقات بين تركيا و اسرائيل .
و بالامس عادت صحف الحزب الحاكم بتركيا تذكرنا بشروط أردوغان الاربعة التى صرح بها بعد عودته من طهران بأبريل من العام الجاري لعودة العلاقات مع مصر و هم
أولا : اطلاق سراح المعزول محمد مرسي .
ثانيا : الغاء أحكام الاعدام التى صدرت ضد قيادات جماعة الاخوان المسلمون .
ثالثا : إطلاق سراح كل السجناء السياسيين و عددهم ما يقرب من 18 ألف شخص ( حسب ذكر الحكومة التركية ) .
رابعا : رفع الحظر عن حزب جماعة الاخوان و كافة مؤسساته تمهيدا لادماجها فى العملية السياسية .
و هنا تلعب الرياض دور جسر التواصل بين القاهرة و أنقرة خاصة أن الرئيس التركي يعتزم الذهاب للرياض و لقاء الملك سلمان قريبا بالتزامن مع اعلان السفير السعودي بمصر عن الترتيب لزيارة قريبة للملك سلمان لمصر فى ظل ما تشهده العلاقات المصرية السعودية من تكامل و توافق يصل الى اعلى مستويات الشراكة، و اذا كان كان ذلك هو الخط الواضح بين القاهرة و الرياض و أنقرة فى ظل تحركات الرياض لبلورة التحالف الاسلامي، فمنذ شهر و نصف تقريبا طالبت الولايات المتحدة الدول السنية بتشكيل تكتل عسكري لمواجهة داعش بريا و هو الامر الذى افصح عنه السيناتور جون ماكين مؤخرا بشكل علنى و اعرب عن امكانية دعم الولايات المتحدة لذلك التكتل ماديا و عسكريا أيضا لمواجهة الارهاب الذى صنعته بأيديها . و كما يعلم الجميع ليست كل الخطوط مقطوعة بين أنقرة و القاهرة برغم شدة الصراع بينهم بعد ثورة الثلاثين من يونيو فمصر مازالت من اكبر الاسواق المستوردة للمنتجات و السلع التركية .
و فى ظل التصعيد بين موسكو و أنقرة صرح رئيس الوزراء التركي داوود اوغلو بأن تركيا لا تقبل باحتلال روسيا للقرم و عن أعتزامه زيارة اوكرانيا قريبا فى خطوة من تركيا للعب دور مؤثر فى الصراع الروسي الاوكراني مستغلة فيه تتر القرم و جغرافية الجزيرة نفسها، قبل أن يصرح داوود أوغلو بأننا أنسحبنا من الموصل بتوصيات من واشنطن فى تصريح يشرح لنا كيف يتحرك المارونيت على خشبة المسرح و كيف يعود لصندوق التخزين مجددا و مدى واقعية تصريحات الرئيس الروسي أثناء المؤتمر الصحفي الموسع يوم 17 ديسمبر الجاري عندما قال بأن لو أردات تركيا أن تلعق شئ من امريكا فهذه ليست فكرة جيدة .
و فى ظل التنسيق و التطبيع العلني كما صرحت أنقرة نفسها بين تركيا و اسرائيل و على صعيد الضلع الثالث الموازي لنتينياهو و أردوغان التقى خالد مشعل مع الرئيس التركي أردوغان بقصر يلدز ثم وزير خارجيته داوود اوغلو فى اجتماع أستمر لساعتين و نصف لبحث مستقبل
حركة حماس فى ظل التطبيع العلني بين تل أبيب و أنقرة، بينما يتهيأ رئيس السلطة الفلسطينية عباس أبو مازن للسفر لليونان لاعتراف البرلمان اليوناني بدولة فلسطين بموجب تصويت سيجري في البرلمان الثلاثاء 22 من ديسمبر الجاري بحضور الرئيس الفلسطيني، و حقيقة الامر أن عملية أغتيال سمير القنطار الذى كان يستعد لضرب الشريط الحدود الذى اقامه جيش الاحتلال الاسرائيلي لجبهة النصرة بالجولان تدل على مدى درجة التنسيق العالية بين أنقرة و تل أبيب سياسيا و أستخباراتيا، و أن التطبيع الجاري ما هو الا ورقة بالحبر الجاف لترجمة كل ما كان يحدث فى الكواليس بينهم على مدار الاعوام السابقة .
خلاصة القول ان التطورات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط حاليا جعلت من حدود سايكس بيكو المتداولة على الخرائط بلا أي أهمية فى ظل ما نشهده من احداث و كان لتدخل القوات التركية فى الموصل ثم سرعة الاعلان عن التحالف الاسلامي خير دليل على ذلك مع الاختلاف على ان كانت تلك القرارات نابعة من ارادة مستقلة و فى صالح تلك الدول أم لا، و فى النهاية كل تلك التغيرات تفرض مسار جديد فى العلاقات بين عواصم القرار بالاقليم، و علينا أن نتأمل شكل حدود الدول الجغرافية و السياسية و شكل الخريطة بأكملها و نحن مقبلين على عام جديد و مرحلة جديدة على أقليم الشرق الاوسط .
فادى عيد
الباحث السياسي و المحلل الاستراتيجي