سمير القنطار حكاية مقاومة

بقلم: عباس الجمعة

سمير القنطار بطل لن يتكرر بطل عشق فلسطين وضحى بثمرة شبابه من اجل فلسطين فاحبها حتى النخاع ، فالرصاصات التي اخترقت جسده خلال تنفيذ عمليته الشهيرة نهاريا ، كانت حكاية المقاومة ضد العدو الصهيوني العنصري بكل محطاتها، هي قصة قرار المواجهة الأول وقصة قرار الصمود رغم السجن ، انها فجر الحقيقة من خلال عودته بعد تحرير من الاسر الى جبهة المقاومة والإصرار على الاستمرار في النضال حتى الشهادة أو النصر، هي قصة انتماء الشهيد القائد سمير لفلسطين بعزها وإنتصاراتها ، إنها باختصار كل الحكاية وكلماته بمثابة شهادة فخر، وكيف لا وهي من مقاوم شريف ارهق الصهاينة واذلهم وخرج من المعتقل مرفوع الرأس واعتبر خروجه آنذاك هزيمة للعدو.

نودع شهيد المقاومة وحزب الله وجبهة التحرير الفلسطينية وفلسطين وفي القلب غصة ، حيث استماعنا جيدا لخطاب سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصرالله باستشهاد سمير القنطار فهو خطاب المقاومة خطاب اراد من خلاله ايصال رسالة للعدو الصهيوني ونحن على ثقة بان هذا الخطاب سيشكل الرد الحتمي على اغتيال سمير القنطار في القريب العاجل .

سمير القنطار الشاب العربي اللبناني الفلسطيني كانت دائما بوصلته فلسطين ترك احداث لبنان الدموية واتجه الى العدو الحقيقي الى الكيان الذي اغتصب فلسطين وهو في سن الرابعة عشرة من عمره مناضلا في جبهة التحرير الفلسطينية ، حيث كان مؤمنا بفلسطين، التي حلم بالوصول إليها، منذ عملية الخالصة، الأولى في تاريخ العمليات الاستشهادية الفلسطينية، فانضم إلى الوحدة الخاصة في جبهة التحرير ، فكان اول من نزل عملية عبر الحدود الاردنية الفلسطينية عام 1978 وافرج عنه بعد ثمانية اشهر ليعود الى موقعه النضالي وكان التجهيز لعملية نهاريا البطولية فأصر سمير على ان يكون ضمن ابطال العملية قبل ان ينهي عامه 16 فكان مناضلا ومتحمس للإمساك بالبندقية باعتبار الكفاح المسلح هو الطريق نحو تحرير الارض واستعادة الجقوق ، حيث نجح من خلال قيادته لعملية نهاريا عملية الشهيد القائد جمال عبد الناصر من الوصول الى نهاريا حيث واجهت المجموعة قوات شرطة العدو وقوات احتلاله بكل بسالة بعد ان تمكن من احتجاز عدد من الاسرى الا ان احتدام المعركة ادت الى استشهاد رفيقيه عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد واسر رفيقه الثالث احمد الابرص ، ومنذ اللحظة الأولى لوقوعه في الأسر بعدما نخر الرصاص جسده الفتي ونقله بمروحية إلى مركز المخابرات العسكرية في الجليل الفلسطيني المحتل، رسم القنطار الخطوط العريضة لعلاقته مع العدو الأول والأساسي، واستمر بالمواجهة منذ اللحظة الأولى في التحقيقات الأولية ومرورا بالجلسة الأخيرة في نطق الحكم: ثلاث مؤبدات بـ 454 سنة سجن وعشرات السنين ، ومن عسقلان الذي سُجن فيه بعد محاكمته، عوقب القنطار الذي يصفه رفاق الزنزانة والأسر بـ "الجلف والحاد" ، إلى معتقل نفحة الصحراوي من دون أن ينزعوا الشظية الباقية في رئته حيث يتسبب الطقس الجاف والغبار في زيادة معاناته.

لم يكن الشهيد القائد سمير القنطار قد أتم التاسعة عشرة من عمره عندما اندلع إضراب الأسرى في سجون الاحتلال في العام 1981، ومع ذلك كان له دور بارز في الدعوة والتحريض في

إضراب نفحة الشهير الذي استشهد فيه ثلاثة أسرى نتيجة إضرابهم عن الطعام، ومع استمرار النضال في المعتقل، واجه القنطار مع غيره من الأسرى استحقاق الإمساك بالسجون الصهيونية بعد عملية التبادل التي نتجت عن عملية "النورس الكبير" التي نفذتها القيادة العامة وأدت إلى الإفراج عن 1300 أسير فلسطيني وعربي، من بينهم رفيقه في الاسر الاسير احمد الابرص ويومها تحفظت حكومة الاحتلال على الإفراج عنه ومعه 17 أسيراً آخرين. ومن هنا دخل سمير القنطار معركة تحدي إعادة الإمساك بالوضع بالسجون نتيجة الفراغ القيادي الذي حصل بعد الإفراج عن القيادات في عملية النورس، وتحديداً في السنتين اللتين سبقتا الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 1987.

وامام الوقوف امام سيرة مناضلا واسيرا مقاوما جلس في الزنزانات عقود من الزمن حتى لقب بعميد الاسرى العرب وبعد خروجه من زنازين الاحتلال بعملية تبادل مرفوع الراس الا انه عاد للنضال ضد العدو الصهيوني ، وجعلته حكومة الاحتلال هدفا لها ، حيث وصلت لهدفها عبر عملائها الخونة فارتقى سمير القنطار شهيدا حاملا وسام الشرف والبطولة والشهادة.

صحيح أن سمير القنطار لم يستشهد على أرض فلسطين لكن القاصي والداني يعلم أن مهماته في سوريا كانت مرتبطة بجبهة الجولان المحتلة ، ولكن بوصلته كانت فلسطين ، لهذا نقول ونحن نودع سمير بعد ان امضى ثلاثون عاماً في فلسطين لم يتوقف خلالها عن المقاومة، لانه أحد الأعمدة الأساسية في الحركة الأسيرة المقاومة ، فهو احب والدته الثانية في فلسطين أم جبر وشاح ، كما احب والدته ام سمير ، وكان له وطن وعائلة. نعم، نشأ سمير القنطار فلسطيني الهوى، واستشهد ووجهه لم يحد عن فتاة أحلامه اي فلسطين أبدا، وما بين وداعه من قبل الشهيد القائد أبو العباس الأمين العام لجبهة التحرير على شاطئ صور في جنوب لبنان مع رفيقه القائد سعيد اليوسف ، إلى لحظة احتضانه الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله في الضاحية الجنوبية، ثلاثة عقود من المقاومة التي بدأها في الرابعة عشرة من عمره وختمها في الثالثة والخمسين بالشهادة حلمه،

عاش سمير القنطار 36 عاماً فوق العمر الافتراضي الذي وضعه لنفسه، ثلاثون منها بنى خلالها حالة نضالية فكرية داخل المعتقل الصهيوني، صنع من نفسه أيقونة مقاومة عابرة للحدود، عابرة للطوائف، مهّد للحظة شهادة مؤجلة تروي الحكاية من عبيه إلى شاطئ صور في لبنان إلى نهاريا ثم المعتقلات الصهيونية على امتداد فلسطين، ومجدداً إلى لبنان إلى الجولان واخيرا إلى جرمانا في ريف عاصمة سوريا دمشق.

اليوم ينضم سمير القنطار إلى لائحة الشهداء العظام ، إلى عبد القادر الحسيني وياسر عرفات وابو العباس وابو علي مصطفى والسيد عباس الموسوي وفتحي الشقاقي والشيخ أحمد ياسين وعماد مغنية وحسان اللقيس وغيرهم، ينضم إلى لائحة طويلة لا تبدأ باسم محدد ولا اسم أخير عليها، هي لائحة "رجال صدقوا" التي تكبر مع كل كبير ينضم إليها ويوقع تحت اسمه بدمه "ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً".

لهذا نقول ان سمير القنطار بطل قومي بكل ما للكلمة من معنى ورمز لفكرة المقاومة ولمشروعها التحرري الذي يتجسد في فلسطين ولبنان وسورية ، في مواجهة معسكر الامبريالي الصهيوني الاستعماري الذي لايفهم غير لغة القوة وطريق التصدي لغطرسته هو المقاومة ضد

قلب المعسكر كله ،الكيان الصهيوني ،وضد جميع الأدوات التي يحركها الاستعمار بقيادة الادارة الأمريكية لحماية الكيان ودعم قوى الارهاب في المنطقة، هذه الادارة التي وضعت سمير القنطار قبل ثلاث سنوات على لائحة الارهاب ، ولكن امام كل ذلك نرى بوضوح ان المقاومة التي شكلت محور حياة سمير وقضية عمره ومضمون ما تركه من إرث للشباب الذي دربهم وعلمهم وقادهم في العقود التي أمضاها مناضلا منذ عمليته الفدائية حتى استشهاده ، فشهادة سمير القنطار ستبقى نبراسا في فضاء الشرق كله وستزيد المناضلين اصرارا على مواصة النضال حتى تحرير الارض والانسان .

ختاما: لا بد من القول ، شهادة سمير القنطار هي حكاية المقاومة وهي حكاية جبهة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية والمقاومة الوطنية والاسلامية وحزب الله ضد كيان العدو بكل محطاتها، هي قصة قرار المواجهة الأول لبطل وقائد ومناضل رغم قلة الإمكانات ، هي قصة قرار الصمود رغم السجن الذي حاول فيه الشهيد القائد ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية باكثر من عملية لجبهة التحرير للافراج عنه ، ورغم الآلام والجراح بعزها وإنتصاراتها من خلال الانتفاضة المتواصلة على ارض فلسطين المفتوحة على كل الإحتمالات، ومن خلال المقاومة الاسلامية والوطنية بقيادة حزب الله التي تواصل معركتها مع العدو الصهيوني وقوى الارهاب التكفيري المدعوم من الامبريالية والصهيونية والاستعمارية إنها باختصار كل الحكاية، فالنصر قادم لا محالة وان دماء الشهيد سمير القنطار ستنتصر على العدو وسترسم حرية فلسطين والمنطقة .

بقلم / عباس الجمعة

كاتب سياسي