تحتل الحلبة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية، مجموعة من القضايا والإشكاليات الخلافية، التي تشعل النقاش الإسرائيلي الداخلي، ومن أهم هذه القضايا، ماذا لو انهارت السلطة الفلسطينية، وفي هذه الحالة، ما البديل؟ واحتلت عناوين عديدة نقاشات داخلية أبرزها لقاء الرئيس الإسرائيلي "روبي ريفلين"، مع الرئيس الأميركي "باراك أوباما" ، وكذلك مشاكل منظمة "كسر حاجز الصمت" الإسرائيلية التي تضم في صفوفها أكثر من ألف ضابط وجندي إسرائيلي، والمتهمة بتشويه صورة الجيش الإسرائيلي في العالم، وطروحات أحزاب إسرائيلية لحل القضية الفلسطينية، ومحادثات وفد اللجنة الرباعية في إسرائيل التي تعمل من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، ولماذا فشل إنجاز اتفاق السلام في عهد رئيس الوزراء السابق "ايهود اولمرت"، في مفاوضاته مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، وإقرار اتفاق استخراج الغاز الإسرائيلي من البحر المتوسط، وفقاً للقانون رقم (52) الذي يلتف على قانون الاحتكار وتحديد وتوزيع الأرباح، والجديد في هذا كله التفاهمات لتسوية الخلافات الإسرائيلية-التركية ومد أنبوب غاز لتزويد تركيا بالغاز الإسرائيلي، كبديل للغاز الروسي، وهذا قد يسيء للعلاقات الإسرائيلية مع روسيا.
هجوم منظم وغير مسبوق، على الرئيس "روبي ريفلين"، وصل حد المطالبة بعزله، هذا الرئيس الذي ينتمي إلى حزب "الليكود"، انتخب لهذا المنصب رغم أنف "نتنياهو"، ففي مقابلة لـ "ريفلين" مع مجلة "بولتكنيك انترناشونال" الفرنسية، تقدم بمبادرة لإقامة دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية تربط بينهما كونفدرالية، وترسيم حدود، وتبادل أراضي، مع أنه من المحسوبين الداعين لأرض إسرائيل الكاملة، واعتبر طرحه الجديد بإقامة دولة فلسطينية من قبل اليمين الإسرائيلي تحولاً في موقفه، فثارت ضده حملة من الانتقادات لدعوته بإقامة برلمانين وقانونين، وأن يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بأي من الطرفين بالتوافق، لكن الحملة ضد "ريفلين"، أدت إلى تراجعه بسرعة، لمجرد دعوته لإقامة دولة فلسطينية، فحاول تصحيح ما قاله للمجلة الفرنسية بأن دعوته كانت لإقامة كيان فلسطيني وليس دولة فلسطينية، مدعياً أن المجلة أخرجت الكلمات عن سياقها الأصلي، وأنه ما زال يعارض إقامة دولة فلسطينية، فإقامة كونفدرالية لا يتم إلا بين دولتين وليس مع كيان، حتى أنه أعرب عن تأييده لإعادة إعمار قطاع غزة، وإقامة ميناء بحري فيها، وانضمام القطاع إلى الكونفدرالية المقترحة، لكنه لم يصمد أمام حملة اليمين لطروحاته.
في تعقيبه على إقامة كونفدرالية، اعتبرها الوزير السابق "يوسي بيلين"، بأن هذا الطرح وسيلة لأولئك الذين ينادون بـ"أرض إسرائيل الكاملة"، بدءاً من "ريفلين" و"شارون" و"أولمرت" وغيرهم من الذين يحلمون ويرفعون شعار "أرض إسرائيل الكاملة"، حيث أدركوا أن هذا الشعار يعد ممكناً، لأنه لا يمكن أن تسيطر أقلية يهودية، على أغلبية فلسطينية، من جانب آخر، فإن الوزير "زئيف ألكين"، وهو وزير شؤون القدس، اعتبر أن طرح الكونفدرالية، غير قابل للتطبيق، وأنه يعارض في الأساس، إقامة دولة فلسطينية، كما يعارض حل الدولتين، ويتذرع في معارضته من خوفه أن تسيطر "حماس" على الكونفدرالية، لأنها تعلن عن نيتها القضاء على دولة إسرائيل، بجميع الوسائل الممكنة، كذلك لعدم وجود زعامة فلسطينية، يمكنها أن تقول:" نحن نقبل بوجود الدولة اليهودية"، في المقابل فإن الحكومة الإسرائيلية، تعارض إقامة الدولة الفلسطينية، ولتضليل الرأي العام الإسرائيلي، فإنهم يتجاهلون حصول اعتراف متبادل بين إسرائيل، ومنظمة التحرير الفلسطينية، في اتفاق "أوسلو"، الذي عقد مع "إسحاق رابين" وقاموا باغتياله بمجرد أنه أراد حينه صنع السلام مع الفلسطينيين.
في اللقاء الذي جرى بين الرئيس "أوباما" والرئيس الإسرائيلي "ريفلين"، أوضح "أوباما" خلال الاجتماع –حسب جريدة "هآرتس 11-12-2015"- أنه من الصعب منع اتخاذ قرارات في مجلس الأمن لصالح الفلسطينيين، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع منع مبادرات ضد إسرائيل، ويصعب عليها إحباط مبادرات ضدها في الحلبة الدولية، فإذا كان هذا موقف أميركي جديد، فالمطلوب من الفلسطينيين اختباره بسرعة، مع أن الخارجية الأميركية، سبق أن أحبطت خلال السنوات الثلاثة الماضية مبادرات ضد إسرائيل في مجلس الأمن، وفي منتديات دولية أخرى، من خلال التبرير الأميركي بسعيهم لدفع العملية السلمية إلى الأمام، أو طرح مبادرات سياسية جديدة، و"أوباما" في مؤتمر جريدة "هآرتس" للسلام المنعقد في نيويورك، جاء في خطابه، أن السلام فقط الذي يضمن أمن إسرائيل ويهوديتها وديمقراطيتها "المزعومة"، مقدماً الشكر لصحيفة "هآرتس" وموقفها من السلام، مع أن "أوباما" أوضح أنه لا يوجد لديه أمل كبير في استئناف المفاوضات حالياً، وأن فرص السلام تبدو بعيدة، وما الفائدة من مواصلة "جون كيري"، هجومه على الحكومة الإسرائيلية، وأنه لا توجد لديه أي فكرة ما الذي تريده إسرائيل في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة، دعم إسرائيل ومدها بأحدث السلاح والمال والدعم السياسي والاقتصادي، ولكن قول "كيري" أنه ليس لديه فكرة ما الذي تريده إسرائيل، فإما أنه جاهل أو غبي، إذ أنها تقول علناً، أنها ضد إقامة دولة فلسطينية، فهي تدعو وتنادي بأرض إسرائيل من البحر إلى النهر، ملك للشعب اليهودي، هذا ما تريده وتسعى إليه إسرائيل.
لا قيمة تذكر للنقاش الدائر في إسرائيل، عن دولة واحدة، أو حل الدولتين، أو إقامة دولة فلسطينية، أو دولة ثنائية القومية، فهذا النقاش مضيعة للوقت، مع استمرار نهب الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات، فلا تقدم بأي فكرة تؤدي إلى الحل وإنهاء الاحتلال، حتى أن معظم دول العالم، يصعب عليها فهم ما تريده حكومة "نتنياهو"، وأن الاعتقاد السائد في العالم، بأن ما تتبناه إسرائيل، بحلم إسرائيل الكبرى، وأن حل الصراع، يشكل بطاقة الدخول كي تصبح جزءاً من المنطقة، حتى أصبح الحديث عن السلام في إسرائيل، وعن التسوية، خارج عن الإجماع الوطني الإسرائيلي، وأن السلام غير قائم في القاموس الإسرائيلي، وبدلاً من ذلك، فإن النقاش يدور تحت عنوان، ماذا إذا انهارت السلطة الفلسطينية، أو حلت نفسها؟
من هي منظمة
كسر حاجز الصمت؟
إن مشاركة "روبي ريفلين" في مؤتمر كسر حاجز الصمت أثارت اليمين الإسرائيلي ضده، فهذا اليمين يصف هذه الحركة بالحقيرة، ويعتبرون مشاركته تجاوزاً للخط الأحمر، وإهانة للمؤسسة الرئاسية، فهذه المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية، تأسست عام 2004، وأنشئت من قبل جنود من الجيش الإسرائيلي، وقدامى المحاربين، الذين يجمعون الشهادات حول خدمتهم في الضفة الغربية، وقطاع غزة، ويوثقون ممارسات وسلوكيات الجيش غير القانونية، التي ارتكبت جرائم ضد الفلسطينيين حسب الأوامر التي يتلقاها الجنود، ويتهمونها بالتشهير بالجيش الإسرائيلي وضباطه في العالم، هذه المنظمة تضم أكثر من ألف جندي وضابط وتنادي بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية فاعتبروا مشاركة "ريفلين" في مؤتمر هذه الحركة الذي عقد في نيويورك تكريماً لها، فحركة "ميرتس" اليسارية ورئيستها "زهافا غلؤون"، أعلنت عن دعمها ورفاقها لأعضاء هذه الحركة، التي وصفتهم بالأبطال، والمفاخرة بهم، وأن اتهامهم بالخونة والعملاء وملاحقتهم، لكشفهم عن الممارسات والتجاوزات الإسرائيلية، هو عمل مشروع ورائع، فاليمين الإسرائيلي الذي يقف على رأسه وزير التعليم "نفتالي بينت"، أصدر أمراً بمنع أعضاء هذه الحركة، من القيام بنشاطات داخل المدارس الإسرائيلية، فهو يتهمهم بالتحريض على جنود الجيش، لكنه يسمح بنشاطات المنظمات اليمينية، بالعمل، في المدارس، ومنظمة كسر حاجز الصمت تقول: أننا قضينا فترة في الدفاع عن المستوطنات، و"بينت" و"يعالون" يقولون لنا: انتم جيدون حينما تكونون طعاماً لنيران المدافع، والآن أغلقوا أفواهكم ولا تشوهوا صورة الجيش، كما أن وزير الدفاع موشيه يعالون أعلن منعهم من دخول الجيش.
وبكل وقاحة فإن "نتنياهو" يتهم الفلسطينيين، أنهم وراء عدم تقدم عملية السلام، رداً على تصريحات "جون كيري" الذي اتهمه بعدم التحرك باتجاه السلام، فـ "كيري" الذي قال بأن إسرائيل لا تعرف كيف تحل الصراع مع الفلسطينيين، استغل "نتنياهو" استطلاع الرأي العام الفلسطيني، بأن 75% من الفلسطينيين ضد حل الدولتين، وأن 80% يؤيدون استمرار عمليات الطعن، متهماً "أبو مازن" بمواصلة عمليات التحريض، حول المسجد الأقصى، في إعلام كاذب، لكن التجاوزات في الأقصى حقيقية وليست كذباً، بل أن من ينفيها هو الكاذب والمخادع، وأن نتائج مثل هذه الاستطلاعات سببه الاحتلال والعدوان والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وبعدم إعطاء الأمل لهم بالمستقبل، فأين حل الدولتين الغائبة التي يتحدث عنها "نتنياهو"، والذي يتهم "أبو مازن" بالتحريض، فإنه هو المحرض الأول حتى وصل تحريضه ضد المواطن الإسرائيلي رقم (1)، ألا وهو "روبي ريفلين"، فهذه الحقائق يدركها العالم، وتزداد مقاطعة إسرائيل، واتهامها بـ "الابرتهايد"، لكن ما يروجه "نتنياهو" من اتهامات للفلسطينيين، يهدف لغسل أدمغة شعبه، مع أن كثرة في إسرائيل يتهمونه بالكذب والخداع، ليغطي على فشله في تأمين الأمن للإسرائيليين، أمام الهبة الشعبية الفلسطينية، فـ "نتنياهو" ينادي بحل الدولتين، لكنه عملياً لا يريد تحقيقها، ولا يريد دولة فلسطينية، ولا يريد دولة ثنائية القومية، في الوقت الذي يحمّل الفلسطينيين المسؤولية عن الجمود.
بقلم/ غازي السعدي