أزعم أن معظم الشعب الفلسطيني لا يتابع قرارات مجلس الوزراء، وذلك لأن الناس تدرك بأحاسيسها أن مهمة مجلس الوزراء لا تتعدي تسيير الشؤون اليومية لحياتهم، والدليل هو بيان مجلس الوزراء الأخير؛ والذي لا يختلف في مضمونة عن أي بيان صادر عن أي حكومة تقيم في البرازيل أو سويسرا أو جنوب أفريقيا أو شرق أسيا، وعلى سبيل المثال:
1- أدان المجلس استغلال إسرائيل للظروف الإقليمية والدولية وانشغال المجتمع الدولي وعجزه عن وضع حد لانتهاكات حكومة الاحتلال الإسرائيلي لكافة القوانين الدولية، لتواصل سياستها التوسعية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وهل كان مجلس الوزراء الفلسطيني ينتظر من الحكومة الإسرائيلية عدم استغلال الظروف الإقليمية والدولية؟ لقد عبرت وزيرة القضاء الإسرائيلي " أييليت شاكيد" عن ذلك بوضوح، وقالت: إن الأحداث السياسية الدائرة بفلسطين هي فرصة لدفع البناء في المستوطنات والمصادقة على مخططات البناء، وأضافت: نحن نفعل كل شيء، ونستغل الفرص السياسية لدفع البناء في الضفة، وسنرى قريباً الثمار والتغيير.
فماذا فعل مجلس الوزراء الفلسطيني لمواجهة هذا الدفع اليهودي؟ وهل الإدانة وحدها كفيلة بإفساد المخططات الصهيونية، وستحول دون استغلال إسرائيل للظروف الإقليمية والدولية؟.
2- أدان مجلس الوزراء المصادقة على بناء 891 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "غيلو" جنوب القدس، و(330) وحدة استيطانية في الشيخ جراح، ومصادرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي 680 دونماً من أراضي الولجة جنوب القدس، في إطار المخطط الإسرائيلي المعروف بـ (2020)، الذي يهدف إلى إيجاد أغلبية يهودية في مدينة القدس، واستكمالاً لفصلها عن محيطها الفلسطيني من جميع الجهات.
احترم نباهة الحكومة الفلسطينية، وتوثيقها الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن السؤال الذي يحرج الحكومة الفلسطينية هو: هل ستؤثر الإدانة في القرارات الإسرائيلية؟ هل ستوقف الإدانة وحدها مشاريع الاستيطان اليهودي؟ وما هو الفرق بين الحكومة الفلسطينية والحكومة النرويجية التي أدانت التوسع الاستيطاني؟ وما هي الخطوات العملية التي قررت الحكومة الفلسطينية أن تتخذها لوقف مسلسل تسريب الأرض إلى أيدي المستوطنين؟ هل دعت الحكومة إلى مسيرات جماهيرية؟ هل دعت إلى إضرابات عامة بهذا الشأن؟ هل طالبت بقطع طرق المستوطنين لإعاقة اغتصابهم للأرض؟ هل توجهت بشكوى إلى المجتمع الدولي، وطالبت بعقد جلسة لمجلس الجامعة العربية؟ هل دعت إلى الاعتصام في دوار المنارة في رام الله؟ هل قررت أن تعقد جلستها القادمة في الأماكن التي سيتم الاستيلاء عليها؟ أم أن الحكومة الفلسطينية لا يمكنها الخروج من رام الله وزيارة القدس إلا بعد الحصول على إذن يوآف مردخاي، منسق شئون الحكومة الإسرائيلية في المناطق؟
3- أدان المجلس مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها وارتكابها مزيداً من جرائم القتل وعمليات الإعدام الميدانية، والعقوبات الجماعية والاعتقالات العشوائية بالجملة.
هذه الإدانة تفصح عن المشهد السياسي، فالحكومة الفلسطينية تستنكر وتدين، والحكومة الإسرائيلية تسلح المستوطنين، الحكومة الفلسطينية توثق الجرائم والحكومة الإسرائيلية تمارس الجريمة، الحكومة الفلسطينية تقدم التشخيص الدقيق لما يجري على الأرض، والحكومة الإسرائيلية تتقدم فعلياً في الاستيلاء على الأرض! لتكون النتيجة أن الحكومة الفلسطينية تبتعد عن أرض فلسطين بالإدانة والاستنكار بمقدار ما يقترب منها اليهود بالفعل والانتشار.
واصل مجلس الوزراء بيانه باستنكار القرار الإسرائيلي القاضي بمصادرة نحو 101 دونم من أراضي مدينتي بيت لحم وبيت ساحور، ولكن مجلس الوزراء لم يدع الشعب الفلسطيني إلى الإضراب العام والتظاهر والاحتجاج والاعتصام والمواجهة والتصدي، في إشارة واضحة إلى أن رفض المقاومة بما في ذلك المقاومة الشعبية، هو قرار سياسي بامتياز.
د. فايز أبو شمالة