تتفاعل حركة حماس بشكل واضح، هذه الأيام مع مشكلة معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، لدرجة أن تعقد جلسة تشريعية لنوابها في غزة، لم يظهر المستوى القيادي الأول في صورة تلك الجلسة، ربما لأنه أدرك أن الأمر قد تجاوز كثيراً حدود المعقول، لكن متشددي أو حتى متشدقي الصف الثاني من قيادة حماس في غزة، سرعان ما تقدموا للإفصاح بما جاد عليهم منطقهم، "وكل واحد وعلامه"، فعاد من كنا نظن بأنه قد غاب أو اختفى أو تقاعد أو حتى أنه ملّ، للتشدق مجدداً بمط الكلام واللعب على الحروف على طريقته الممضة!
وكأنهم في كوكب آخر، فصلاح البردويل، أحد نواب حماس وأحد الناطقين الذين توقفوا عن النطق باسمها طويلاً، قال: إن أزمة معبر رفح مفتعلة، وهي شكل من أشكال الابتزاز السياسي الذي يمارسه النظام المصري الحالي!
الله أكبر يا أخي، دائماً الحق على الآخرين، كيف أن الأزمة مفتعلة، أي استخفاف بمشكلة تسبب معاناة لا حدود لها للناس؟ ثم أليست مصر دولة ذات سيادة، لا يحق لك ولا لغيرك أن يفرض عليها أو على غيره ما لا تريد أو يريد؟
ثم يتوجب عليك أن تدرك أنه لا يمكن أن تفتح المعابر ولا الحدود بين الدول إلا بالتوافق بين طرفي الحدود، فإن لم تتفق حركة حماس مع مصر، فلتدع السلطة، العنوان السياسي / الرسمي لدولة فلسطين، وللشعب الفلسطيني أن تتفق مع الجار والشقيق المصري.
وفي الحقيقة، إن ما يغيظ حركة حماس، من الجارة مصر، إنما هو أمر واحد وحيد، وهو أن مصر تعرف جيداً القانون الدولي، وهي دولة محترمة، لا تتعامل مع القرصنة السياسية، ولا الفتونة السياسية التي تسير على طريقها حركة حماس، وقالت بالفم الملآن: إنها تتعامل مع سلطة شرعية، وإنه بمجرد وجود حكومة التوافق على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ستقوم بفتحه فوراً.
هذا هو مربط الفرس، والمهم إنه ليس من يجلس على مقاعد الصف الثاني، من المتشدقين / المتشددين في حركة حماس من يغلق ليس فقط بوابة المعبر، بل أيضاً بوابات الحل للمشكلة، وليس أدل على ذلك من "تطنيش" كل مبادرات الحل التي تقدمت بها فصائل العمل الوطني، ومنها مبادرة الجبهة الشعبية / الجهاد الإسلامي، بل إن خالد مشعل نفسه، رأس حركة حماس، الذي يحرص منذ أن غادر مقاعد الممانعة حيث كان يجلس في دمشق، على أن يظهر كمعتدل وكعقلاني وكحكيم الحركة، أو كبيرها، يقول ومعه الكثير من قادة ومسؤولي الحركة إنهم مع أية مبادرة لفتح معبر رفح على قاعدة الشراكة!
عادت ريما لعادتها القديمة إذن، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، عدنا لنقطة الصفر، السؤال هنا: لماذا لا تصر حماس على تنفيذ ما يتم الاتفاق بينها وبين فتح عليه؟
يبدو أن التنافس الداخلي هو السبب، فعلينا أن نتذكر الآن أن إسماعيل هنية في غزة أفشل أكثر من اتفاق خاص بالمصالحة قام مشعل بتوقيعه مع أبو مازن في الدوحة قبل سنوات، لذا فإن مشعل يفشل اتفاق الشاطئ الخاص بهنية، أو إنه على أقل تقدير ليس معنياً بتنفيذه، والحياة كما يقولون: "سداد ودين".
أخيراً نقول: يبدو أن حركة حماس تظن، وهنا كل ظنها إثم، أن انتفاضة الضفة الغربية تضعف السلطة وتعزز موقفها السياسي، فحماس ما زالت كما هو حال حركة الإخوان المسلمين الأم، لا تعرف من السياسة إلا ما تراه بين قدميها، وهي لا تدرك الحجم الذي ساهمت فيه إسرائيل بزرع الانقسام الداخلي، وأن إسرائيل التي تسعى على الجانب الفلسطيني للعب وفق صيغة "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم" لا يمكن لها أن تقوم "بتوحيد الضفة والقطاع" تحت قيادة سياسية واحدة، مهما بدت لها هذه القيادة معتدلة أو متوافقة مع سياستها الإستراتيجية.
نقول: إنه حتى لو جاءت اللحظة التي تتخذ فيها إسرائيل القرار بإسقاط السلطة، فإنها ليس بالضرورة أن تسلمها لحماس أو أن تفتح الطريق لها كما فعلت في غزة، بل ستفضل على الأغلب بث الفوضى بين الفلسطينيين، وستجد من هو بديل لحماس وفتح بالطبع، لذا فعلى حماس أن تقرأ الدرس جيداً، وألا تكرر فعلة إخوان / مصر، فلا تركب رأسها حتى النهاية، التي ستكون محتومة، فلا حل لمعبر رفح، ولا لحصار غزة، إلا بالتوافق الوطني الداخلي، وعلى حماس أن تجرب ولو مرة واحدة أن تخاطب غيرها، أن تستمع إلى غيرها، أن تتقاطع مع غيرها، فإن لم يكن فتح، فغير فتح.
نقول أخيراً، إنه إذا كان رأسمال حماس كله منذ سنوات في غزة، فإنها إذا لم تسارع بالدليل القاطع لتثبت لأهل غزة حرصها على حياتهم ومصالحهم، واحترامهم، وهناك ألف طريقة وطريقة لهذا، فإنهم عاجلاً أو آجلاً، سيلفظونها من بينهم، ذلك أن حماس في غزة سلطة، وسلطة مستبدة، سلطة أمن، ليست سلطة قانون ولا ديمقراطية تحترم إرادة الشعب، ولتقبل حماس _ مثلاً _ إجراء استفتاء حول معبر رفح بين سكان قطاع غزة، فوراً، على أن تحترم وأن تلتزم بنتيجته أيّاً كانت!
رجب أبو سرية
2015-12-25