مخاطبة الغرب .. معركةٌ قائمة بين الفلسطينيين والإحتلال

بقلم: ماجد الزبدة

لطالما نجح الاحتلال الاسرائيلي في التأثير على الإعلام الغربي وطريقة تعاطيه مع الأحداث الجارية في فلسطين، فنجد هذا الإعلام يَعرضُ الإسرائيليين في صورة ضحايا أبرياء، متناسياً حقيقة كون هؤلاء الضحايا المزعومين هم مستوطنون محتلون ما زالوا يحتفظون حتى اليوم بجنسيات بلدانهم التي قدِموا منها للاستيطان في أرض فلسطين.

اعتماد الرواية الاسرائيلية في الاعلام الغربي تساندها فزَّاعة "معاداة السامية"، فهي سيف مُسَلّط على الكتّاب والصحفيين الذين يتجرؤون على انتقاد الاحتلال، وهي تهمة رادعة لها قوة السحر في تكميم أفواه من يحاول الوقوف على اعتداءات الاحتلال بحق الفلسطينيين، فقد نالت هذه التهمة صحيفة "إلباييس" الاسبانية عام 2009م لمجرد نشرها تقريرا وصف اعتداءات الاحتلال على غزة آنذاك بـ"المجزرة".

قوى الضغط الغربية المساندة للاحتلال تُتقن أيضاً دورهاً، فهي تجيد اختيار المصطلحات في خطابها الإعلامي، وتعرف متى وكيف تؤثر في العقل الغربي، مقارنة بسيطة في تعاطي الإعلام الغربي مع الأحداث تعطي دلالات واضحة حول انحياز الاعلام الغربي للرواية الإسرائيلية، فجريمة إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية التي اقشعرت لها الأبدان حصرتها شبكة سي إن إن الأمريكية بـ " نشطاء يمينيين متشددين" بينما في حادثة إحراق مقام يوسف في مدينة نابلس المحتلة استخدمت مصطلح "فلسطينيين" في إطار تعميمها على الكل الفلسطيني، أما شبكة بي بي سي البريطانية فقد برأت الاحتلال من جريمة إحراق عائلة دوابشة وأبرزت استنكار الاحتلال للجريمة وتصريحات نتنياهو بأن "دولة اسرائيل تتصرف بحزم مع الارهاب بغضّ النظر عن مرتكبيه" وذكرت بأن الجريمة ارتكبها "متطرفون يهود" ضد إجراءات الحكومة الإسرائيلية !!!، بينما في حادثة إحراق مقام يوسف استخدمت بي بي سي مصطلح "محتجون فلسطينيون". اللافت أن كلتا الشبكتين اعتمدتا رواية الاحتلال في حادثة إحراق المقام وأنه ضريح للنبي يوسف بن يعقوب، وأسقطتا تماماً الرواية الفلسطينية بأنه قبر لشيخ فلسطيني يُدعى "يوسف دويكات" حوّله الاحتلال لثكنة عسكرية وسط مدينة فلسطينية تضم ثلاثمائة وخمسين ألف فلسطيني ولا علاقة له بالنبي يوسف عليه السلام.

لا شك أن مخاطبة العقل الغربي هي معركة قائمة بين الفلسطينيين والاحتلال، تدور رحاها حول الصورة والمشهد ومدلولات المصطلح، وهدفها الاستحواذ على تأييد وتضامن الشعوب الغربية، والفوز بتلك المعركة يضمن تشكيل ضغط على الحكومات الغربية من شأنه أن يدفعها لمناصرة الحق الفلسطيني في نيل الحرية والاستقلال، أو على الأقل تحييدها عن دعم الاحتلال.

إتقان مخاطبة الغرب يتطلب من الفلسطينيين حشد مزيد من الجهود السياسية والاعلامية، ففي ظل انشغال المنطقة بأمواج صراعات سياسية ومذهبية متلاطمة بات الشعب الفلسطيني بأمسّ الحاجة لتشكيل قوى ضغط مساندة له في المجتمعات الغربية، ورغم الجهود المبذولة من بعض الشخصيات الفلسطينية في الغرب، إلا أن انتشار الرواية الفلسطينية للأحداث تتحمّل أعباؤها وزارة الخارجية الفلسطينية وأذرعها الدبلوماسية المنتشرة في الدول الغربية، وهنا نتساءل لماذا لا نسمع عن تخصيص موازنات مالية لإطلاق حملات إعلامية توضّح اعتداءات الاحتلال بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى، أو تُبيّن مخاطر الاستيطان الاسرائيلي في الضفة، أو تبرز نتائج الحصار الكارثية على غزة !!

خارجية الاحتلال كثفت جهودها الدبلوماسية والاعلامية في بث دعاية مضادة للفلسطينيين في الاعلام الغربي، وعقدت لقاءات وأبرمت اتفاقيات مع شركات عالمية مثل جوجل ويوتيوب، بهدف محاصرة الفلسطينيين إعلامياً ومنع بث مشاهد وصور تُضعف من رواية الاحتلال في الاعلام الغربي، فما الذي قامت به السلطة الفلسطينية في إطار مواجهتها لتلك الجهود ؟؟

كي ينتصر الفلسطينيون على الاحتلال في معركة مخاطبة الشعوب الغربية وينالوا مساندتها ودعمها للحقوق الفلسطينية المسلوبة، عليهم أولاً إجادة مخاطبة الإعلام الغربي فهو صاحب اليد الطولى في التأثير على تلك الشعوب، وهذا يتطلب القيام بالتالي:

* تشكيل لجنة وطنية فلسطينية -على غرار لجنة متابعة محكمة الجنايات الدولية -تضم مفكرين وكتّاب وباحثين فلسطينيين، تعمل على تشكيل قوى ضغط غربية مناصرة للحقوق الفلسطينية.

* رصد موازنات مالية للقيام بحملات إعلامية مُوجّهة إلى الشعوب الغربية من خلال وسائل الإعلام الغربية.

* تعزيز دور الجاليات الفلسطينية في الدول الغربية بما يُسهم في تعزيز وإبراز الرواية الفلسطينية في الإعلام الغربي، والعمل على تفنيد شبهة وسم مقاومة الفلسطينيين المشروعة بالإرهاب.

بقلم: ماجد الزبدة-إعلامي فلسطيني