السلطة هي الخاسر الوحيد بقمعها إنتفاضة القدس .

بقلم: جبريل عودة

قيام قوات حرس الرئاسة الفلسطينية في رام الله , بقمع المتظاهرين ومنعهم من التوجه إلى أماكن الإشتباك والمواجهة مع الإحتلال بالقرب من مستوطنة بيت آيل , يشكل تطوراً خطيراً في تعامل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية مع فعاليات وأحداث إنتفاضة القدس , وهو بحد ذاته توجه غير محمود نحو قمع الحراك الجماهيري الفلسطيني المناهض للإحتلال وعدوان المستوطنين في الضفة المستباحة , هذا الفعل القمعي المرفوض يتصادم مع توجهات شعبية عارمة بضرورة التحرك ضد الإحتلال ومواجهته , والفعل الإنتفاضي في إنتفاضة القدس نابع من عمق إرادة الشعب الفلسطيني الحرة , فالشعور الوطني بضرورة كنس الإحتلال هو الذي يحرك حامل السكين للإنطلاق لوسط التجمعات الصهيونية المدججة بالسلاح , ليكتب بدمائه الطاهرة رسالة الشباب الفلسطيني من كلا الجنسين الرافضين للإحتلال التواقين للحرية والإستقلال الحقيقي, هذه الطاقة الثورية الموجهة نحو الإحتلال من الغباء أن تعمل السلطة على مواجهتها , لأن الخاسر الوحيد من محاولات قمع إنتفاضة القدس هي السلطة الفلسطينية , فالإنتفاضة بكل بساطة تجاوزت كل مراحل القمع والإجهاض , وهي تمضي بثبات نحو الإستمرارية والديمومة , بما يحقق تطلعات شعبنا الفلسطيني في دحر الإحتلال .

إنتفاضة القدس وهي تشارف على نهاية شهرها الثالث , تصر على صبغتها الشعبية الفلسطينية الخالصة , بعيداً عن الألوان الفصائلية الفجة , وهذا ما أعطاها البعد الشعبي الذي تعجز قوات الإحتلال عن مواجهته أو إنهاء أشكاله النضالية المتصاعدة , وهنا تبرز عقلانية الفصائل الفلسطينية التي تدعم إنتفاضة القدس , دون تبني لفعالياتها أو محاولة إبراز توجيهاتها المباشرة للمنتفضين , حتى لا يقع التنافس على قيادة وإدارة الحراك في الشارع الفلسطيني, ولكن لا يمكن تجاهل أن الفصائل الفلسطينية كجزء أساسي من نسيج الشعب الفلسطيني , هي حاضرة من خلال شباب الإنتفاضة الذي تعدد انتماءاته السياسية , الا ان ميدان المواجهة مع الإحتلال إستطاع تذويب كل الإلتزامات الفرعية والجانبية للشباب الفلسطيني, لصالح الإلتزام الرئيسي بالقضية الفلسطينية وإنتفاضتها المباركة .

وهنا نقول أن هذه الصبغة التي تتجمل بها إنتفاضة القدس المباركة , لا يقع على السلطة الفلسطينية عبء تبنيها والدفاع عنها , على إعتبار أن فعالياتها الجماهيرية تشبه إلى حد كبير الأنماط التي كانت تساندها السلطة بقادتها وإعلامها , بل وأصدرت لها أغنية " إزرع تفاح " والتي تنذر عليها الجمهور الفلسطيني , ولعل نموذج المقاومة الشعبية السلمية الذي تبنت السلطة رسيماً كان يتركز في المسيرات الإسبوعية في نعلين وبعلين والنبي صالح والمعصرة وغيرها من القرى التي كانت تواجه أنياب جرافات الإستيطان الصهيونية , وإستمرت الفعاليات الجماهيرية الإسبوعية , وإنحصر تأثيرها في جولة اسبوعية لكبار السياسيين والمتضامنين الأجانب لإستنشاق الغاز المسيل للدموع وعقد اللقاءات الصحفية , وتنفض المسيرات ويتواصل عمل الجرافات الصهيونية بتجريف الأراضي وضمها للمشروع التوسعي لصالح المستوطنات التي تتضخم في كل يوم .

فلماذا لا تعتبر السلطة أن المواجهات على المفترقات الرئيسية للمستوطنات بالضفة المحتلة نقاط إشتباك مماثلة للنماذج السابقة من المقاومة الشعبية السلمية , وفي هذا تفعيل أكبر لتلك الفكرة بحشد جماهيري واسع رافض للإحتلال والإستيطان في الضفة المحتلة , ومن الطبيعي أن تستفيد السلطة من ذلك في مفاوضاتها مع الإحتلال أو إقناع الأطراف الدولية بضرورة إصدار قرارات بإخلاء الضفة من المستوطنات ,تحرك السلطة العلني والإنتشار الكثيف لعناصر الأجهزة الأمنية لقمع المسيرات في رام الله مؤشر للأطراف الخارجية وللإحتلال معا , بأن السلطة جاهزة لتوفير حالة الهدوء في الضفة , وهذا هو المطلب الذي جاء به وزير الخارجية جون كيري في زيارته الأخيرة , الثابت الرئيسي أن إنتفاضة القدس قد أوجعت كيان الإحتلال ووضعته في مأزق أمني خطير , بعد تلاشي الهدوء الذي إستمر لأكثر من 9 سنوات على ساحة الضفة المحتلة , بعد تغييب الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله , والذي كان يقف داعماً لإنتفاضة الأقصى , وما حدث من إستبدال عقيدة السلطة الأمنية بشكل يناهض ويعادي إستراتيجية العمل المقاوم ضد الإحتلال , وهذا ما يكشفه واقع إستمرار التنسيق الأمني مع الإحتلال , ويبدو أن المطلوب من السلطة المساهمة في إستعادة أمن المستوطنين الصهاينة على أرض الضفة المحتلة عبر العمل على وقف إنتفاضة القدس.

السلطة الفلسطينية سترتكب خطأ كبيراً في محاولة قمع إنتفاضة القدس وإجهاضها ,لأن السلطة وبكل بساطة لن تستطيع ذلك , فهي لا تملك القوة ولا المشروعية لقمع الجماهير المنتفضة, بل أن ذلك التوجه القمعي ضد الإنتفاضة وشبابها , سيجعل من السلطة الفلسطينية شريكاً للأطراف المعادية للإنتفاضة, وهذا يشكل خطراً شديداً على السلطة ووجودها في الضفة المحتلة, لأن وجودها وإستمرارها بشكلها الحالي الضعيف مرتبط في إبقاء الشعب عليها , وإذا أرادت الجماهير خلعها سيكون هذا أسهل مما تتصور وأيسر مما تتوقع , فهي في نظرة الشارع الفلسطيني سلطة شكلية لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة النضال الشعبي , حيث يعترك شعبنا في إشتباك يومي ومباشر مع الإحتلال ومستوطنيه في ظل غياب السلطة, بل يعتبرها جزء كبير من الشعب الفلسطيني عائقاً حقيقاً أمام الحراك الفلسطيني المقاوم للوجود الصهيوني في الضفة المحتلة , بإصرارها على التمسك بالعلاقة مع الإحتلال عبر إستمرار قنوات التنسيق الأمني مع الإحتلال الصهيوني .

من أعطى القرار بقمع الشباب وضربهم وسحلهم وإعتقالهم في مسيرات رام الله , لا يعي مدى حالة السخط الشعبي على موقف السلطة السلبي من الإنتفاضة , فإذا تحركت أجهزة الأمن التابعة لها ضد الإنتفاضة فأن السلطة ستضع كيانها ما بين حالة السخط وحالة النقمة وبينهما غضب شعبي شديد , لا نريد ولا نرغب ولا نتمنى أن يتم توجيه للسلطة من قبل الجماهير التي كفرت بكل سنوات التفاوض والتقارب والقبول بالإحتلال الصهيوني .

على السلطة الفلسطينية وقياداتها أن تفيق من هذا السبات العميق , وأن تلتزم خيارات الشاب المنتفض حيث أنه الحامي الحقيقي للقضية الفلسطينية , والمدافع الأصيل عن الحقوق الفلسطينية , وأن لا تتجرأ على قمع أي مقاوم أو منتفض أو ترفع عليه عصا القمع , لأن شبابنا الفلسطيني مفخرة وطنية ورصيد ثمين في معركة الدفاع عن فلسطين ومقدساتها , فلا يتعارض مع إنتفاضتهم المباركة الا أصحاب المشاريع المشبوه , ولا يدعمهم في إنتفاضتهم الا كل وطنياً شريف , وعلى السلطة أن تختار ؟! وللشعب والتاريخ كلمة الفصل .

بقلم/ جبريل عوده