لا شك أن لفلسطين مكانة تتجاوز بكثير رقعتها الجغرافية، قد يكون لمكانتها الدينية القاعدة الأساسية في استقطاب الاهتمام بها، لكن ايضاً اللوحات النضالية المشرفة لشعبنا على مدار عقود عدة مثلت لأحرار العالم نموذجاً لرفض الظلم بأشكاله المختلفة، لكن حب فلسطين من قبل دول المغرب العربي يفوق غيره، تتجمع فيه عناصر متعددة لتصل به إلى مرتبة القداسة، تختلف لديهم الأحزاب في كل شيء إلا أنها لا تختلف البتة على حب فلسطين، تجد ذلك في المغرب والجزائر وتونس وكأنها تتنافس فيما بينها على حب فلسطين وشعبها، لكن الواضح أن الجزائر تتميز في عشق شعبها لفلسطين.
العلاقة بين الشعوب لا تتطلب البتة تفويضاً من أنظمتها لنسجها ولا تتشكل بمرسوم يصدر عن قمة الهرم فيها، بل هي لوحة تشارك ألوان عدة في رسمها دون أن تصل إليها تلك الأيادي التي تعبث بصورتها، والطبيعي أنها لا تهبط على حين غرة بل تأتي كعملية متراكمة موغلة في التاريخ، الأيام القليلة السابقة حملت صوراً معبرة عن تلك العلاقة من بين العديد منها التي ذخر بها التاريخ، برغم بساطتها إلا انها تحمل الكثير من المعاني سيما وأنها تاتي بمبادرات عفوية لا ناظم لها سوى الوفاء المنطلق من عمق العلاقة، تكررت الصورة التي ملأت مؤخراً ملعب 5 يوليو حين استضاف ديربي العاصمة الجزائرية "مولودية الجزائر واتحاد العاصمة"، وقفت جماهير الفريقين التي اكتظت بهم مدرجات الملعب تهتف عن بكرة أبيها إنشودة "فلسطين الشهداء"، تناست تلك الجماهير حالة الاستقطاب والشحن التي تفرضها مباراة الديربي وغنوا لفلسطين في مشهد يستحضر دموع الفرح.
هكذا تفعل دوماً جماهير الجزائر داخل الجزائر وخارجه، حب فلسطين لا تجده فقط في ملاعب كرة القدم بل تسكن ثقافة الشعب الجزائري، وكأنها تأتي إمتداداً لكلمات الزعيم الجزائري "هواري بومدين" حين قال نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، الجزائري يحمل معه فلسطين في ترحاله، تجد ذلك بصورة جلية في نشاط الجاليات الجزائرية ومعها دول المغرب العربي في دول الاتحاد الأوروبي، هم الأكثر إلتفافاً حول النشاطات الداعمة لفلسطين إن لم يكونوا هم المحركين لها، لعل المكانة التي حفرتها الجزائر في أفئدة الشعب الفلسطيني جاءت من حبها الغير مشروط لنا، كانت دوماً الداعم للحق الفلسطيني دون أن تحاول قط التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، ولم تحاول يوماً ما أن تجعل من قضية فلسطين مصدراً للتكسب الذاتي كما يفعل الكثير، لعل صورة الشاب الفلسطيني في الضفة الغربية وهو يمتشق العلم الجزائري في ساحة المواجهة مع جنود الاحتلال فيها ترجمة صادقة عن وفاء شعب فلسطين للجزائر وشعبها.
هذا العشق الجزائري لفلسطين وشعبها يحتم علينا التوقف عند أدبياته من منظورين:
الأول أن علينا أن نمعن القراءة في العوامل التي قادت الشعب الجزائري إلى هذه الدرجة من الاخلاص لفلسطين التي انفرد بها عن باقي الشعوب العربية؟، وكيف يمكن لنا الاستفادة منها ونقل ادبياتها إلى باقي الشعوب العربية.
ثانياً: أما آن لنا أن نخجل من أنفسنا أمام أهازيج جماهير ديربي العاصمة الجزائرية وهي تتوحد بصوتها في انشودة "فلسطين الشهداء" في الوقت الذي ما زلنا نغوص في مستنقع الانقسام والمناكفة؟.
بقلم/ د. أسامه الفرا