تحتفل جامعاتنا الفلسطينية كل عام بتخريج دفعات وأفواج جديدة من طلبتها، وكلما ظهر مشهد على الشاشة لأحد تلك الاحتفالات اثار شجون الناس بدل الفرح، وعلى وجوه الطلاب المتخرجين تظهر مشاعر عدم المبالاة، خطابات الاساتذة في الاحتفالات مملة وتقليدية وينشغل عنها الطلاب بشرب العصائر والكوكاكولا، الخريج والخريجة لا يتمتعان بشخصية متميزة لا في الثقافة العامة ولا في الاختصاص الجامعي، كانوا ابتداء يائسين من الحصول على وظيفة ففقدوا حماسهم للدراسة وتطوير المهارات وهم يرون مصير من سبقهم، بعضهم يرى ايام الجامعة لهوا ولعبا وزينة وتفاخرا وعلاقات عاطفية، تفكير كارثي مخجل، احتفال التخرج فيه الكثير من البرود والفوضى وغياب النشاط والبهجة، من يراهم يتذكر فورا الاعمال التي يمارسها الخريجون الاقدم بعد ان وقعوا في دائرة البطالة الوطنية فهم ما بين عامل بناء وسائق تاكسي ونادل في مطعم وبائع فول وفلافل، الاعمال المذكورة اعلاه لا تحتاج الى خريجي كليات، اذا كان بائع الفلافل يحمل شهادة البكالوريوس فهذا يعني ان العمل في مطعم شاورما يتطلب شهادة ماجستير.
قبل ايام اتصلت بصديق لي في خانيونس وهو شاب تخرج من الجامعة قبل 4 سنوات وما زال الى يومنا هذا عاطلا عن العمل، وعندما سألته عن احواله قال انه مل الحياة وسأم منها وانه يتمنى الموت على مثل هذه الحياة البائسة حيث لا عمل ولا امل ولا ماء ولا كهرباء ولا خدمات ولا من ضوء في نهاية النفق ليبصروا نور الامل ولا امان وإستقرار، باختصار وجدته كتلة من اليأس والانكسار النفسي والمعنوي.
وعندما حاولت ان ازرع بعض الامل فيه بقولي انك ما زلت صغيرا وفي بداية مشوارك والحياة ما زالت امامك والأمور لن تبقى هكذا مغلقة الى مالا نهابة فقال لي منذ 4 سنوات وأنا متخرج ولم اوفق الى ايجاد عمل سواء كان يليق بمؤهلي الجامعي او لا يليق، اعمل احيانا في محلات الحدادة وورش السمكرة او السيارات ولكن في اغلب الاحيان نجلس من الصباح الى المساء دون ان يدخل لنا فلسا واحدا لان أهل غزة جيوبهم فارغة وخاصة بعد الحروب والحصار المفروض عليهم.
وأضاف قائلا قلة العمل وانعدام الحركة والخدمات والكهرباء والبنزين والسولار يضطره دائما الى ترك العمل ويبقى عاطلا لا يلوي على شيء وقال والله ان استمر حالي بهذا التدهور وعدم قدرتي على الحصول على عمل يؤمن لي قوت عائلتي ومصروف جيبي سأضطر الى الهجرة عن وطني، ففزعت من قوله وقلت له لا صديقي لا تفعل هذا وان الله مع الصابرين واصبر فسوف تنفرج الامور ان شاء الله.
لقد تفاقمت بطالة الخريجين وخاصة منذ الانقسام اللعين عندما تخلت الحكومات التي حكمت وطننا وشعبنا عن سياسة التعيين بسبب شح المال والوضع الاقتصادي السيئ، يقابل ذلك عجز القطاع الخاص عن استيعابهم وتشغيلهم، فهو قطاع حديث وضعيف في وطن اعتاد على التبرعات والهبات والمنح, ماليا واقتصاديا وثقافيا وحتى إغاثياً، فالسائر في شوارع وطرقات محافظات الوطن وبدون إستثناء، يرى ويشاهد في التقاطعات المرورية وقرب الميادين والجامعات مناظراً مؤلمة، خاصة وانت ترى شباب أكاديمي يعملون في اعمال مقنعة ومغلفــــة بالبطالة، وعندما تستفسـر عـن السبب يجيبوك في الحال ( بدنا نعيش ).
لقد أظهرت معطيات إحصائية فلسطينية ارتفاع نسبة البطالة بين أبناء شعبنا بشكل ملحوظ، وهي تعتبر من أكبر المشاكل التي تواجه شعبنا في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن أعداد العاملين في سوق العمل المحلي الفلسطيني تقدر بنحو 800 ألف عامل، مؤكده أن هناك حوالي 38 ألف خريج سنويا من الجامعات والكليات الفلسطينية يتم ضخهم لسوق العمل، فيما تصل نسبة البطالة بين الخريجين خلال الربع الثاني من العام 2014 حوالي 56%، أغلبها للإناث.
وأشارت الإحصائيات إلى أن معدلات البطالة ترتفع بين الشباب كلما زاد مستوى التعليم، ما يدل أن مستوى الوظائف في سوق العمل الفلسطينية لا تحتاج إلى مستوى تعليمي عالٍ، مشيره أن هناك حوالي 32 ألف خريج سنويا من الجامعات والكليات الفلسطينية يتم ضخهم لسوق العمل، فيما تصل نسبة البطالة بين الخريجين خلال الربع الثاني من العام 2014 حوالي 56%، أغلبها للإناث.
ووفق مختصين، فإن تزايد نسب البطالة بين خريجي الجامعات يدق ناقوس الخطر بالنسبة لمستقبل هؤلاء وتأثير بطالتهم على المجتمع، فضلا عن تزايد مساعي الهجرة والمشكلات الاجتماعية، مشيرين إلى مسبب آخر لارتفاع بطالة الخريجين، وهو عدم الرغبة في الانخراط بأعمال لا تتفق مع مهاراتهم وتعليمهم، إضافة إلى الإقبال الكبير من الشباب على التعليم الأكاديمي والبعد عن التعليم المهني الذي لا يزال ضعيفا.
ان ايجاد فرص للخريجين استحقاق ينبغي على الحكومة تدبيره، ولربما ان لمؤسسات الدولة اكثر من مصلحة في تشغيل الخريجين من الشباب، إذ إنها من جهة يمكنها الاستفادة من كفاءاتهم واختصاصاتهم في قطاعات الدولة المختلفة للإعادة اعمار وتنمية الوطن التي خربتها حروب إسرائيل، فضلاً عن ذلك فان ايجاد فرص عمل للخريجين وتزايد نسبة البطالة بينهم عاماً آخر، انما يخلق مشكلة اجتماعية من الصعب احتوائها، ويخشى أن تفاقمت أن تتجه هذه العناصر الذكية والمتعلمة الى أدوات تضر بالمجتمع، إذ يخشى عليها من الانحراف أو الاتجاه نحو جماعات الجريمة المنظمة، بدافع الحاجة أولاً، وبدافع الانتقام من المجتمع والحكومات التي لم توفر للخريجين في السنوات السابقة أية فرص عمل تذكر، أو محاولات الهجرة ونجاح آلاف الكفاءات في مغادرة الوطن.
لقد بات يدرك الشباب الخريجين من حملة الشهادات الباحثين عن عمل، أنها لم تعد مفتاح الحصول على وظيفة تضمن الدخل المنتظم والكافي لحياة ميسورة نوعاً ما، وذلك بسبب الفائض في حملة الشهادات في تخصصات عدة ونقصها في تخصصات أُخرى، ويعود ذلك إلى الانفصام القائم بين التعليم العالي وحاجات سوق العمل الفلسطيني، ولا شك بأن مشكلة البطالة مشكلة خطيرة على مجتمعنا الفلسطيني فتزايد وارتفاع معدلاتها عاماً بعد عام يعتبر إهدار واضح للقدرات البشرية، واستمرارية ذلك يشكل خطورة بالغة على الاقتصاد الوطني الفلسطيني وأيضا يمثل خطورة على جميع النواحي الأمنية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، مما يجعل خطورتها بين الخريجين تعد مشكلة من المشكلات المركبة من ناحية خطورتها نفسياً واجتماعياً، ومن ناحية أخرى اقتصادياً كون نظام التعليم والتدريب الجامعي في فلسطين غير مجاني، أي أنهم ينفقون الكثير من أموالهم في سبيل الانتفاع من الخدمات التعليمية، دون أن يكون هناك أي مقابل في الحصول على فرص عمل بعد تخرجهم تعوضهم ما أنفقوا من أموال.
وختاماً وكما أسلفنا تعد مشكلة البطالة احد أهم الظواهر الخطيرة التي تهدد كل المجتمعات عامة ومجتمعنا الفلسطيني خاصة، وهي من التأثيرات المباشرة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، والحل للتصدي لهذه المشكلة كما نلاحظ مرتبط بالتخطيط المسبق والأهداف المرحلية، واحدى الحلول للتصدي لها يتطلب تضافر كل الجهود وتبني سياسة من قبل وزارة التربية والتعليم العالي لتقييم التخصصات وأعداد الطلبة المقبولين وأعداد الخريجين، بل يجب تقييم مؤسسات التعليم العالي من خلال مراجعة البرامج وتطوير بعضها وإلغاء البعض الأخر لإعادة هيكلتها، وإعادة النظر في المساقات والتخصصات لتتلاءم مع احتياجات سوق العمل، لردم الفجوة الموجودة بين سوق العمل وعدد الخريجين وكفاءتهم، حيث أنها كبيرة ومتزايدة، ولا ننسى أيضاً دور وزارة العمل والقطاعين العام والخاص في مكافحة هذه المشكلة والتصدي لها، ويجب أن تتضافر كل الجهود جميعها من جامعات ووزارات ومؤسسات القطاع العام والخاص لحل هذه الضائقة التي تسمى البطالة.
بقلم/ رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي