يجد المواطن التركي الكثير مما يحثه على الإدلاء بصوته إلى أردوغان، حيث شهدت فترة حكمة منذ توليه رئاسة الوزراء للمرة الأولى عام 2003 تطوراً كبيراً في الجانب الاقتصادي، حيث نمى الدخل القومي ليتجاوز ثلاثة أضعاف ما كان عليه عام 2002، وسجلت تركيا نسبة تزايد في النمو الاقتصادي على مدار العقد السابق ما جعلها بين مصاف الدول الأكثر في النمو الاقتصادي، ولم تتأثر كثيراً جراء الأزمات الاقتصادية التي ضربت العالم "عامي 2008، 2013"، وأنهت مديونتها لصندوق النقد الدولي، وتم إلغاء الأصفار الستة لليرة التركية لتسترجع مكانتها، وانعكس كل ذلك ايجابياً على قطاعات الحياة المختلفة، حيث تطورت الصناعة والزراعة بشكل لافت، وشهدت البنية التحتية تطوراً كبيراً يتماشى مع متطلبات العصر المدني.
من البديهي أن تنظر القيادة التركية لمصالحها وأن تجعل منها بوصلة عملها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ومن حقها أن تطمح في الإنضمام لمنظومة الاتحاد الأوروبي وأن تسخر سياستها الخارجية لما يحقق لها ذلك، ومن حق تركيا أيضاً أن تنظر للشرق طالما تجد في تلك العلاقة ما يخدم مصالحها، لكن ليس من حق تركيا أن تبيعنا أوهاماً، وأن تدعي أنها حامية حمى فلسطين وأنها الشوكة في حلق حكومة الاحتلال، حيث العلاقة بين تركيا وحكومة الاحتلال قائمة وتتوسع بشكل مضطرد، سواء كان ذلك من الناحية العسكرية أو التجارية، حيث تعتبر تركيا الشريك الثامن لدولة الاحتلال من حيث حجم التبادل التجاري، وبالتالي من المفيد لنا ألا ننجرف خلف التصريحات والمواقف العاطفية التي ينسفها السلوك اليومي البعيد عن الاعلام.
سبق لنا أن صفقنا طويلاً إلى اردوغان حين انسحب من اللقاء الذي جمعه برئيس دولة الاحتلال "شيمون بيرس" في دافوس، دون أن نكلف أنفسنا التوقف عند زيارة بيرس إلى تركيا عام 2007، والخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الأمة التركي وهي المرة الأولى التي يدعى فيها رئيس دولة الاحتلال لإلقاء خطاب أمام برلمان لبلد الأغلبية الساحقة من سكانه من المسلمين، وسبق لنا أن أثنينا كثيراً على موقف الحكومة التركية وتهديداتها بعد حادثة اسطول الحرية، وإعتبرنا أن تركيا بثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي كشرت عن أنيابها حين أعلنت بأن سفنها الحربية سترافق قوافل المساعدات إلى غزة، لم تفعل تركيا شيئاً من ذلك وشكل إعتذار نتانياهو عودة المياه إلى مجاريها التي لم تتوقف بالأساس، وما تسرب مؤخراً عن صفقة بين تركيا وحكومة الاحتلال تنهي بموجبها ما يتعلق بحادثة "مرمرة" يضع النقاط على الحروف بأن ما يحكم تركيا مصالحها الذاتية ونقطة.
على مدار قرون عدة شكلت اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية، وباتت المدينة واحدة من المدن التي يشار لها بالبنان، والمتجول اليوم في شوارعها يدرك المكانة التي كانت عليها المدينة والتي تقف الآثار شاهدة على ذلك، لكن في الوقت الذي كانت المدينة تشق خطاها المتسارعة نحو التطور، لم تحظ المدن المقدسة بما فيها مكة والقدس بالكثير من الاهتمام، وما كان ينفق على قصر "طوب قابي" يفوق بكثير ما كان ينفق على مجتمعات واسعة تعيش الفقر في أكناف الدولة العثمانية.
لا يمكن لأحد أن ينكر أو يقلل من الانجازات التي حققها أردوغان لتركيا خلال فترة حكمه، وفي ذات الوقت من حقه علينا أن نقدر له مواقفه الداعمة لفلسطين سواء الدبلوماسية منها أو الإقتصادية دون زيادة أو نقصان، وعلينا أن نستوعب أن سياسات الدول تحكمها مصالح شعوبها.
د. اسامه الفرا