ايمن عودة والتحدي الصعب!

بقلم: عماد شقور

للكنيست الاسرائيلي، مثل كل برلمان آخر، في اي دولة ديمقراطية، مهام عديدة ومتنوعة، لكن الأهم بينها اثنتان: اولاهما انه يوفر حصانة لأعضائه ومنبراً عالياً يعبّر منه العضو في البرلمان عن رايه وقناعاته وعن مطالبه وشكواه، دون خشية من تعرّض للمساءلة والتحقيق؛ اما ثانيتهما فهي انه يضع القوانين الناظمة للمجتمع، ويرسم سياسة محددة، على الأصعدة الامنية والاقتصادية والاجتماعية، ويختار اعضاؤه، بالاغلبية، حكومة لتنفيذ تلك السياسة، ويتابعها ويراقبها ويحاسبها على أدائها: يعطيها الثقة، فتستمر في عملها، او يحجب عنها الثقة فيسقطها، ويختار حكومة جديدة تنصاع لما تقرره اغلبية الاعضاء.
اين هم الفلسطينيون في اسرائيل من هذا؟.وبدقّة اكثر: اين هم الاعضاء الفلسطينيون في الكنيست الاسرائيلي في معادلة رسم ووضع السياسة الاسرائيلية او التاثير عليها؟.
لم يَخْلُ الكنيست في اي من دوراته، منذ العام 1949 وحتى الآن، من اعضاء عرب فلسطينيين، بدءًا من قائمة "يد" ويد الله مع الجماعة، برئاسة سيف الدين الزعبي، والتي كانت ملحقة ومنبثقة عن حزب مباي بزعامة بن غوريون ، وانتهاء بالحزب الشيوعي الاسرائيلي، (اليهودي- العربي)، والذي كان من ابرز اعضائه توفيق طوبي، الوطني الفلسطيني اليساري المعروف، الذي كشف جريمة الجيش الاسرائيلي في ارتكابه مجزرة كفر قاسم، عشية العدوان الثلاثي على مصر، يوم 29 اكتوبر/ تشرين الاول عام 1956.
في ذلك الزمن، كان بن غوريون يشكل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، ملتزماً بشعاره المعروف: بدون حيروت (حزب اليمين الاسرائيلي، بزعامة مناحيم بيغن)، وبدون ماكي (الحزب الشيوعي الاسرائيلي). وكان مقت بن غوريون لبيغن كبيرا الى درجة انه لم يلفظ اسم مناحيم بيغن، في اي من خطاباته في الكنيست، حيث كان يستعيض عن ذكر اسم بيغن بتعبير "عضو الكنيست الجالس الى جوار عضو الكنيست حنان بدر".
هذا زمان مضى وانقضى. لكن لم يكن فيه اي تأثير، لأي من الاحزاب العربية في الكنيست، ولا لأي عضو عربي في الاحزاب الصهيونية، في السياسة الاسرائيلية. بل ان الاحزاب العربية والاعضاء العرب في الكنيست لم يستغلوا حصانة العضوية ومنبر الكنيست لما فيه مصلحة مواطنيهم الذين انتخبوهم، ومصلحة شعبهم الفلسطيني، باستثناء اعضاء حزب ماكي، (الحزب الشيوعي الاسرائيلي)، الذي اصبح اسمه راكاح، (القائمة الشيوعية الجديدة)، وعدد لا يذكر من اعضاء آخرين، في عدد لا يذكر من المرات.
ومن باب الدقة والانصاف، نسجل هنا ان الاحزاب العربية في الكنيست الاسرائيلي، لعبت دوراً في رسم السياسة الاسرائيلية لمدة يوم واحد فقط لا غير!. ذلك عندما امتنعت عن التصويت، بقرار مشترك اتخذه الراحل الكبير توفيق زياد وعبد الوهاب دراوشة، وافشلت بذلك اسقاط اليمين المتطرف الاسرائيلي لاتفاقية اوسلو التي قادها اسحق رابين. انه دور لمدة يوم واحد من اصل آلاف الايام التي قضيناها منذ عام النكبة حتى الان.
نتطلع هنا، بألم، عندما نقارن بين الدور الذي تلعبه الاقلية اليهودية في الولايات المتحدة الامريكية، في رسم السياسة هناك، والتأثير في المجتمع الامريكي، وبين الدور الذي (لا) تلعبه الأقلية العربية الفلسطينية هنا في رسم السياسة الاسرائيلية.
يختلف وضع اليهود في امريكا، عن وضع الفلسطينيين في اسرائيل، في اربع نقاط جوهرية:
النقطة الاولى، هي ان اليهود في امريكا اغنياء، بل واغنياء جدا، ومعتادون على التبرّع، (وضمان المردود لهذا التبرّع طبعا باشكال مختلفة)، في حين ان الفلسطينيين في اسرائيل فقراء، او تم افقارهم بمصادرة اراضيهم واملاكهم، ولا وجود عندهم لثقافة التبرّع بهدف التأثير بشكل ملموس.
النقطة الثانية، هي ان اليهود في امريكا مندمجون في طبقة النُّخبة الامريكية على كل صعيد: العلم والفن والسياسة والاعلام وعلوم المستقبل، في حين ان الفلسطينيين في اسرائيل، يُشغلون الدرجات السفلى على صعيد ما تقدم من مجالات. دون ان ننسى وجود استثناءات نادرة جديرة بالرعاية والتشجيع.
النقطة الثالثة، هي ان اليهود في امريكا جزءٌ عضوي من تركيبة المجتمع الامريكي، ولا ترى فيهم السلطات الامريكية جسما غريبا يجب الحذر منه ومراقبته والتضييق عليه. في حين ان السلطات في اسرائيل ترى في الفلسطينيين في اسرائيل عكس ذلك تماما.
النقطة الرابعة، هي ان اليهود في امريكا يشكِّلون اقل بكثير من نصف واحد بالمئة من حاملي بطاقة الهوية الامريكية، في حين يشكل الفلسطينيون نحوا من عشرين بالمئة من حاملي بطاقة الهوية الاسرائيلية.
كيف نتعامل مع هذه الحقائق الموضوعية؟ كيف نحول الكم الى كيف؟ فعلا انها معادلة صعبة. بل وصعبة للغاية. لكنها ليست مستحيلة.
هذا هو في الحقيقة التحدي الاكبر للجماهير الفلسطينية العربية في اسرائيل بشكل عام، وللاحزاب العربية وللاعضاء العرب في الكنيست الاسرائيلي بشكل خاص، ولأيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، بشكل اخصّ.
كل الدلائل حتى الآن، وبعد مرور اكثر من تسعة اشهر على الانتخابات في اسرائيل، مع ما كشفته من كفاءة لدى ايمن عودة، في التعاطي والتعامل بذكاء مع الاحزاب الاسرائيلية ومع المجتمع اليهودي في اسرائيل، اضافة لبدء انطلاقته على الصعيد الدولي، التي تمثلت في جولاته ولقاءاته الموفقة اثناء رحلته الاخيرة الى الولايات المتحدة الامريكية، تبشّر بالخير، وتشير الى انه مؤهل لمواجهة هذا التحدي الكبير: تحدي التاثير في السياسة الاسرائيلة، وصولا الى المشاركة في رسم ووضع هذه السياسة مستقبلا.
يستدعي هذا الامر توفُّر شرطين: اولهما، امتلاك قدرة هائلة على بناء التحالفات مع احزاب اسرائيلية، تحالفات تضمن الانخراط في العملية السياسية، دون التفريط بأي من المصالح الحقيقية والجوهرية للفلسطينيين في اسرائيل، على صعيد المساواة، وللمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني في اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعصرية، قابلة للتطور والازدهار، وعاصمتها القدس العربية، مع ضمان وتأمين حقوق اللاجئين الفلسطينيين، كما نصّت عليها مبادرة السلام العربية لعام 2002.
اما الشرط الثاني فهو وجود ظهير جماهيري وطني مساند وداعم لمن ساقه قدره لأن يكون رأس الحربة في مواجهة هذا التحدي. وبنظرة سريعة على واقع حال الجماهير العربية في اسرائيل سياسيا، نرى ان الوضع شبه مثالي، ان لم يكن مثاليا، خاصة اذا قارنّاه بالحال في مراحل سابقة. فلهذه الجماهير ثلاثة أُطر سياسية جامعة: لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل، التي انتخبت محمد بركة رئيسا لها قبل اسابيع؛ واللجنة القُطْرية لرؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية في اسرائيل، التي يرأسها مازن غنايم؛ وطبعا، القائمة المشتركة للاعضاء العرب في الكنيست، التي يرأسها ايمن عودة.
اعتقد ان انسجام وتكاتف وتعاون هذه الأُطر الثلاثة، والذين يتولون قيادتها وتوجيهها في هذه المرحلة، يشكل فرصة ايجابية نادرة، للتقدم خطوة جريئة الى الامام، لما فيه مصلحة حقيقية لجميع كتل الشعب الفلسطيني، الذين تجمعهم الهوية الفلسطينية، وتميزهم البطاقات.
لا اركّز هنا على ما يمكن ان يقوله او يفعله هذا الحزب الاسرائيلي او ذاك. ولا حتى ما تقوله او تفعله اسرائيل وحكومتها. اركّز هنا على ما يجدر بنا ان نحدّده من اهداف، وما يجدر بنا نحن ان نفعله.
كاتب فلسطيني

عماد شقور