تركيا ...دولة شرق أوسطية مسلمة ..يحكمها حزب الحرية والعدالة والتنمية ذات الجذور الاخوانية ....وهي عبر تاريخها القديم والحديث ....تعتبر من الدول التي تحكم مواقفها بمدي مصالحها وليس لاعتبارات أخري .
تركيا بحساباتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ...مدفوعة باتجاه الشمال علي اعتبار أن تطلعاتها بعضوية الاتحاد الاوروبي ...وعضويتها بحلف الاطلسي ...ومصالحها المحكومة اقتصاديا ....بدول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة ....واقتصار نظرتها للجنوب لاعتبارات توريد بضائعها ..وما يمكن الاستفادة منه من نفط المنطقة .
من هنا فالمواقف التركية ليست بجديدة ....ولم تكن صادمة ...بل تأتي في اطار المواقف التركية الخادمة لمصالحها ...وتوجهاتها الغربية أيا كان الحزب الحاكم بتركيا .
وليس أصدق مما كتبه الكاتب التركي عمر نور الدين ..تحت عنوان تركيا الجديدة ....تختار مقعد اسرائيل المنخفضة ....حيث يقول الكاتب وبالحرف ...هل هناك داعي لتلك الضجة حول عودة تركيا الي أحضان اسرائيل ...ولماذا كل هذا القدر ...من الشعور بالمفاجأة أو الذهول للإعلان عن هذا الاتفاق بين حكومة العدالة والتنمية ...واسرائيل الصديقة...وشعبها من المستوطنين ...لأراضي فلسطين ..الصديقة أيضا ...ويضيف الكاتب التركي وبالحرف أيضا ...ان المتابع لسياسة العدالة والتنمية منذ توليه السلطة في تركيا بالعام 2002 ...يدرك أن التحولات الفجائية ....وتغير التكتيكات من أجل الحفاظ علي البقاء في السلطة ....كأحد العوامل المتميزة له ..فضلا عن اعتماده علي خداع كتله الناخبين ...واللعب علي المشاعر الدينية والانسانية ....لمن يتعاطفون مع نصره المظلومين.... وغيرها من الادعاءات التي تجد ترويجها ويضيف الكاتب التركي ....حول الدهشة ...حول غزة باعتبارها فرصة وجدانية للشعب التركي بتعاطفه الطبيعي مع المسلمين بفطرته ...لكن القضية لدي العدالة والتنمية ...أنها ورقة دافعه ....تخدمهم في الانتخابات ....مضيفا أن كل جريمة اسرائيلية في غزة تعطي فرصة الصياح بالميادين ...وصب اللعنة علي اسرائيل القاتلة ...اسرائيل الارهابية .... في ظل أصدقائهم في اسرائيل الذين يتفهمون ما يقال .
من هنا لا نجد ما يمكن اضافته علي حقيقة الموقف التركي ....لكننا نود طرح النقاط التالية :
أولا : تركيا كدولة وموقفها من أحداث المنطقة ....وخاصة مع مصر وسوريا والعراق يؤكد أنها ماضية في طريقها ..خدمة لمصالحها دون أن تأخذ بالاعتبار مصالح جيرانها ....داخل الاقليم وهذا ما يحسب عليها ولا يحسب لها .
ثانيا : الموقف التركي يقف موقفا معاديا من سوريا ومصر ....وقام بانتهاك سيادة شمال العراق في سابقة خطيرة تنم عن أطماع تركيا في أرض العرب .
ثالثا : تركيا وعلاقتها الاستراتيجية بإسرائيل عسكريا وأمنيا ....وما يجري من مناورات مشتركة ...وتبادل للخبرات والمعلومات ....كلها تأتي في اطار المصالح المشتركة ...والتي هي بالتأكيد تتناقض مع مصلحة العرب ...وأمنهم القومي .
رابعا : يكون واهما كل من يعتقد أن تركيا يمكن أن تأخذ مواقف خارج الاطار العام للمواقف الاوروبية ....والحلف الاطلسي .
خامسا : لسنا بهواه سياسة ..ومعرفة بحقيقة المواقف... وندرك جيدا الموقف التركي كما الموقف القطري ..ومشاركتهم المستمرة في احداث القلاقل ..وتغذية الفتن ...واشعال المنطقة ...بنعرات مذهبية وبشعارات ديمقراطية ...وبتدخلات سافرة في الشؤون الداخلية للدول .
سادسا : نحن نحرص كل الحرص علي كسب كافة المواقف لدعم قضيتنا وشعبنا ...ولا نرغب بالمطلق بأخذ مواقف عدائية من أحد ...ولا نحاول الدخول بسجال اعلامي ....حول أي موقف ...ولكن الامانة المهنية والوطنية وفهمنا لطبيعة الصراع ....وحقيقة الدول المستهدفة من التدخل التركي ...تفرض علينا أن نكتب بما نعتقد أنه لصالح شعبنا وقضيته ...ولا نتعامل مع المواقف والدول بمنظور الايدلوجية والمنطلقات الفكرية ...ولكن بمنظور السياسية ...والمواقف الاستراتيجية .
سابعا : ليس هذا الموقف منطلقا بمن يحكم تركيا حزب الحرية والعدالة والتنمية .....ولا بما يجري من أحداث ....ومواقف خلافية ما بين تركيا وروسيا ....علي اعتبار أن تركيا تأخذ موقفا داعما للقلاقل والجماعات الارهابية ..وتفتح حدودها لدخول تلك الجماعات ..كما وتفتح حدودها لتهجير السوريين من أراضيهم ...بينما الموقف الروسي يحارب الارهاب وبشكل علني ويعمل علي وحدة الاراضي السورية ...ويواجه الارهابيين بكل قوة ...فما المانع من أن ندعم الموقف الروسي...اذا كان يخدم بلد عربي لتحقيق وحدة ترابه ....والحفاظ علي سيادته ...وانهاء وجود مثل تلك الجماعات الارهابية .
ثامنا : الاقلام الفلسطينية تدافع عن قضية شعب ....وقضية أمة عربية ...وما يمس أي بلد عربي يمس فلسطين وشعبها ...ولا نقبل بانتهاك سيادة أي دولة عربية ...كما ولا نقبل بزعزعة أمن واستقرار أي دولة عربية ...حرصنا نابع من قوميتنا... ووطنيتنا ..ودينننا ...والذي يحرك ما بداخلنا ..ولا يحركنا ...أيدولوجيات فكرية بالمعني النظري ولكن المواقف علي واقع الارض تفرض علينا أن نشكر من يقف معنا ....ومن يساند أبناء عروبتنا .
تاسعا : يجب أن يكون واضحا أن حزب الحرية والعدالة والتنمية ...وبصرف النظر عن منطلقاته ومعتقداته ....لا يعني الكثير ...بقدر ما نحن بصدده من مواقف سياسية ....نتعامل معها ...ولا نتعامل مع خلفيات فكرية وايدلوجية لأننا غير معنيين بها ....الا بالقدر الذي يوضح فكره التأييد أو النقد لهذا الموقف أو ذاك .
نحرص علي أن تكون تركيا ...محكومة بقواعد حسن الجوار الشرق أوسطي ...وأن تكون ملتزمة بمصالحها داخل حدودها ...وبما لا يتعدى حدودها ...وأن ترسم علاقاتها مع دول المنطقة علي قاعدة الصداقة ....وليس علي قاعدة التعالي.... والاستناد لحلفها الاطلسي كما لا يجب علي تركيا أن تحاول تزعم المنطقة فهناك داخل المنطقة.... دولة كبري ومعروفة للجميع ولها باعها الطويل ...ولها قدراتها التي تؤهلها منذ زمن لقيادة الاقليم ...وبالتالي علي تركيا أن لا تدخل بمحاولة الاشتباك والاختراق ..للتربع بصدارة الاقليم .... لأنها عندها ستواجه بمواقف ايرانية.... ومصرية ...وسعودية ...وعندها تكون تركيا قد أدخلت دول المنطقة بصراعات نحن بغني عنها ....في ظل صراعنا القائم مع المحتل الاسرائيلي السالب لحقوقنا ...والمنتهك لمقدساتنا ... نأمل بأن يحدث علي الموقف التركي التغيرات التي تخدم دول المنطقة .
الكاتب : وفيق زنداح