خرج من أحد المساجد هذا المساء بعد تأدية صلاة العشاء ،حيث كان الباعة ،يصرخون بأعلى صوتهم على بضاعتهم وبطريقتهم الخاصة ..موز ..رمان ..تفاح ..كل تلك القائمة التي كانوا ينادون عليها من الفواكه كانت مقبولة ،وطبيعية لديه.. لكن الذي لفت انتباهه بل ،والمصلين كذلك خارج المسجد ، هو.. أن ينادي أحد الباعة المتجولين عنه ،ولأول وهلة ظنّ أن البائع ينادي عليه من باب الدعابة ،وإضحاك الناس المكبوتين والمعزولين عن واقع الكرة الأرضية، وسط أجواء الحصار الخانق ، والفقر المدقع ووسط البطالة المتفاقمة .. وما إن اقترب من أحد عربات الكارو، تلك التي تصطف على أعتاب باب المسجد ،وإلا ورمقت عيناه ..تلك الحبات القليلة والشاذة في وجودها ..كانت ترقد فوق العربة ،ولم يدنو أحدا منهن.. فأصبحن كما العوانس في أيامنا..! ،..حينها أيقن ، أن الناس في بلاده.. ليسوا أغبياء ،ولا سفهاء بل ..هم لديهم ذكاءً فطريا يجعلهم يفرقون بين أصول الأشياء وزيفها ..ثم قال في قرارة نفسه ..لأنهم يعلمون علم اليقين ..أن حبات البطيخ تلك المعروضة ،لايمكن أن تكون إلا حبات ٍ شيطانية نبتت ،وترعرعت وسط أجواء اختلاف عاداتنا.. وتقاليدنا..ونسيجنا الاجتماعي . ! بل لما اختلفت كل طقوس حياتنا ..بما فيها اختلاف قلوبنا ..تسللت مثل تلك الفاكهة الصيفية الأصل ، بكل خباثة لتعلمنا درسا جديدا ودون أن تدري ..ألا وهو.. أن علينا أن نعيد حساباتنا مع الله ومع أنفسنا ، وأن نعيد حساباتنا في معاملاتنا مع الآخرين ،حينها فقط .. قد يصبح الصيف صيفا ،والشتاء ..شتاءً... وإلا سيتحول الآيس كريم.. إلى مشروب ٍ خاص ٍ بالتدفئة ِ في ليالي الشتاء المتجمدة .!،وما خفي كان أعظم ..!!
بقلم /حامد أبو عمرة