2015

بقلم: طلال عوكل

في غياب المراجعات النقدية لعام ينتهي، كأساس يبني عليه السياسيون والمفكرون والمحللون، ما يمكن اعتباره ملامح واتجاهات تطور الأحداث خلال العام الجديد، يذهب الناس إلى الفلكيين وخبراء الأبراج، الذين تضجّ بهم المنطقة العربية، وكلهم يدّعي أنه ضليع في قراءة التوقعات.
نهايات العام 2015، وبدايات العام الجديد، زاخرة بأعياد ميلاد العديد من الفصائل الفلسطينية، بدءاً من الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية، فانطلاقة حركة فتح، التي فجرت الثورة المعاصرة، ثم انطلاقة الجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب.. إلخ، اللافت في هذه المناسبات هو غياب عمليات التقييم والمراجعة، وحضور الطابع الاحتفالي الذي ينطوي على مبالغات، وعلى التمسك بالبرامج والسياسات والمواقف، وكأن عملية التغيير، شكل من أشكال عدم الوفاء، والسلوك الانتهازي المرفوض.
في هذا السياق قدم الدكتور غازي حمد مطالعة نقدية لواقع الحال الفلسطيني، تميزت عموماً بالموضوعية، وملامسة العديد من الأخطاء والنواقص، بما في ذلك على حركة حماس. وبالرغم من أهمية هذه المطالعة الجريئة، وضرورة توسيعها كإطار لمراجعة شاملة وربما موافقة أو اختلاف البعض مع بعض استخلاصاتها، إلاّ أنها تبقى محاولة مهمة، تحتاج أولاً من التنظيم الذي ينتمي إليه حمد، بأن تنقل هذه المراجعة السريعة إلى البحث الجدي على مستوى القيادة في الحركة.
ثمة مشكلة ترتقي إلى مستوى المرض المزمن لدى القيادات السياسية في الفصائل الفلسطينية وحتى على مستوى صناع القرار السياسي، مفادها أن لا أحد تقريباً يستمع بتدقيق إلى الرأي الآخر، والنصائح التي لا يتوقف المجتمع عن تقديمها، ويكتفي كل طرف على أن يسمع صدى صوته وأن يلتزم بما تمليه عليه حساباته الذاتية والفصائلية.
الحوارات على المستوى النخبوي والشعبي، لا تتوقف عبر الندوات والمؤتمرات وورشات العمل، واللقاءات من كل نوع، لكن ثمة شعورا لدى المشاركين بعدم الجدوى من تكدس الدراسات والأوراق والاستنتاجات التي تستغرق ساعات طويلة من النقاش.
العام الذي نودعه عام كئيب أسود بكل المعايير، لا يخفف من سواده بعض الإنجازات على مستوى الساحة الدولية، والأهم اندلاع الانتفاضة التي تشق الطريق نحو حالة من التفاؤل.
يتفق الكل على أن مكانة وأهمية القضية الفلسطينية قد تراجعت على كل المستويات عربياً وإقليمياً ودولياً هذا العام، وكان ذلك بسبب حالة اللاحرب واللاسلم في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وبسبب تفاقم الأزمات الناجمة عن الاضطراب العربي الكبير، وتداخل العوامل الفاعلة في هذا الاضطراب، وكثرة المشاريع والتدخلات، وارتفاع منسوب الإرهاب الذي خرج من ساحات توطنه إلى ساحات أخرى عربية ودولية.
وفي هذا العام، تفاقمت أزمة الانقسام، وأغلقت بوابات الحوار والبحث عن حلول، ومع تفاقم هذه الأزمة تفاقمت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والإنسانية لملايين الفلسطينيين في الضفة وغزة.
وعلى الرغم من أن السياسة الفلسطينية نجحت خلال هذا العام في محاصرة إسرائيل دولياً، وتوسيع وتعميق عزلتها، وفضحت مسؤوليتها عن إغلاق طريق المفاوضات والسلام، ونجاحها في استصدار المزيد من القرارات المنصفة لصالح القضية الفلسطينية إلاّ أن الوجه الآخر، هو أن إسرائيل ماضية بقوة نحو تنفيذ مخططاتها التوراتية التي تنسف رؤية الدولتين، ولا تقبل بدولة واحدة لشعبين.
تداعيات استمرار إسرائيل في مخططاتها، التي تتجاهل موقف المجتمع الدولي من رؤية الدولتين، وتتجاهل كل قرارات وقوانين وقيم الأمم المتحدة، هذه التداعيات بدأت تظهر تدريجياً في ارتفاع منطق النقد والتحذير لإسرائيل من قبل أهم وكل حلفائها التاريخيين، الأمر الذي يبشر بتحولات هامة تستدعي من الفلسطينيين والعرب العمل على تعميقها. في هذا العام أيضاً تفاقمت ظواهر العنصرية الإسرائيلية، حيث تزايدت التشريعات والقرارات، والإجراءات ذات الطابع العنصري، الأمر الذي استفز وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ما أدى به إلى تحذير إسرائيل من الاستمرار في الاتجاه الذي تسير عليه. الانتفاضة هي الحدث الأبرز الذي ميز المشهد الفلسطيني لهذا العام. وبغض النظر عن من بادر إليها، وأسباب اندلاعها وأهدافها، وما لها وما عليها، فإن أحداً لا يستطيع أن يحدد لها سقفاً زمنياً، وربما لم يعد بمقدور أي طرف أن يدعي القدرة على ضبطها والسيطرة عليها.
الانتفاضة عدا عن سمات أخرى فإنها تتخذ بعداً شبابياً بامتياز ما ينطوي على احتجاج قطاع الشباب على حالة التكلس والمحافظة التي تميز هذا الجيل القيادي. إذا كان من الصعب وضع لوحة بالتوقعات للعام القادم، تجيب عن أسئلة الأزمة الفلسطينية بكل أبعادها فإن ما يمكن اعتباره في حكم المؤكد هو أن الانتفاضة تشكل حدثاً كبيراً فاصلاً بين زمنين ومرحلتين. المقصود هو أن الانتفاضة تنطوي على حكم وتقييم يتعلق بالمرحلة السابقة، وتفتح صفحة جديدة من الخيارات ليس فقط فيما يتعلق بالاحتلال، ولكن أيضاً فيما يتعلق بخياري المفاوضة والمقاومة وفق الفهم السائد لدى الكثير من الفصائل الفلسطينية.

طلال عوكل
2015-12-31