عام 2015 وصل خط النهاية وبدأ عام جديد...والمشهدان العربي والفلسطيني بقع مضيئة في بحر من الظلمات..ففلسطينياً شلال الدم الفلسطيني ينزف بغزارة،ورغم هذا الشلال النازف،ما زالت الساحة الفلسطينية منقسمة على نفسها...ولا آفاق لوحدة وطنية تنهي هذا الإنقسام،هبة شعبية تتطور في الميدان وتحتاج الى حماية سياسية تحميها من المراوحة في مكانها أو الخفوت والتراجع،ولكن ما زال التردد سيد الموقف،هذه الهبة أو الطور الانتفاضي،ولا نريد ان نخوض جدالاً بيزنطياً حول التوصيف،بل في الجوهر هذه الهبة كمحطة نضالية بددت الاوهام وكسرت حالة التراخي وقالت بشكل واضح بأن طريق مدريد - اوسلو لن تقود الى حل ودولة،هي حققت انجازات سياسية ومعنوية،أربكت المحتل،وقلبت حسابات اجهزته الأمنية،ونسفت المنظومة الفكرية والأمنية والسياسية لهذا العدو المتغطرس،دون ان تحدث تحول استراتيجي بالوصول الى انهاء الإحتلال،او تفكيك تمظهرات هذا الإحتلال وأشكال تجلياته (سياسياً وعسكرياً وامنياً واقتصادياً ..الخ)،هذا الفعل الإنتفاضي الميداني او الإشتباك لا يمكن له أن يحقق نتائج سياسية ملموسة ويصل الى هدفه بجلاء الإحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967،بدون الركائز الوطنية الموحدة وفي المقدمة منها الركيزتان السياسية والتنظيمية،وكذلك التوحد في الميدان،والتلاحم والتعاضد الإجتماعي،والفكاك التدريجي عن اقتصاد المحتل،هذه شروط جوهرية تكفل وتضمن تحول الفعل الميداني الى خيار سياسي بديل لأوسلو والإنقسام،مستلهمين الخبرة والتجارب من الهبات والإنتفاضات السابقة،وعلى وجه التخصيص،الإنتفاضة الأولى 87 - انتفاضة الحجر-،مع مراعاة تغير الشروط والظروف والواقع الميداني،ولإنجاز تحقيق ذلك،يحتاج الأمر الى هدف وطني ناظم،تلتف حوله الجماهير والمركبات السياسية بمختلف تلاوينها وألوان طيفها،هدف إنهاء الإحتلال ونيل الحرية والإستقلال،هذا ما يحمي الإشتباك الإنتفاضي ويوسع قاعدته ويشكل سياجاً حامياً له من "تغول" و"توحش" اجراءات الإحتلال وممارساته القمعية وجرائمه وهجومه المتصاعد.
أما عربياً فالحالة العربية ،تعيش في مرحلة إنحطاط غير مسبوق،لم تشهد مثلها الأمة العربية منذ أكثر من مائة عام او اكثر،حيث الإنقسام والتشظي على أساس مذهبي وطائفي،وحروب تدمير عربية ذاتية،ممولة من قبل العرب أنفسهم،اموال تدفع ومرتزقة يجلبون من كل أصقاع الدنيا،ناهيك عن الأسلحة التي يجري تزويدهم بها بأموال عربية،والنتيجة تدمير البلدان العربية،تقتيل شعوبها،تهجيرهم القسري،نهب خيراتهم وثرواتهم،تدمير الحضارات بفعل عصابات الإرهاب والتكفير المستجلبة لسوريا والعراق ومن قبلهما ليبيا،تفكيك الجيوش وتدمير كل مؤسسات الدولة.
صحيح بأن "داعش" تتراجع وتحتضر،ولكن الدول العربية،وبالذات مشيخات النفط والكاز التي مولت تلك الحروب،في العراق وسوريا واليمن وقبل ذلك ليبيا،في إطار حقد مذهبي وطائفي،وحتى شخصي من مشيخات النفط ضد القيادة السورية،هي لن تستطيع ان تفي بوعودها لمن مولتهم من اجل التدمير والتقتيل،بإعادة الإعمار،فمن أعطوا الضوء الأخضر من قطريين وسعوديين واتراك للمعارضات السورية،والتي يغلب عليها الإرهاب والتكفير،لكي يدمروا سوريا ولا يترك فيها حجراً على حجر،وكذلك من وعدوا اليمنيين بأن يعود اليمن سعيداً،وتصبح أرضه لفقراء اليمن الذين يقتلون ويذبحون يومياً بقصف طائرات ما يسمى بالتحالف العربي،أرض اللبن والعسل،وكذلك وعد القيادة العراقية بإعادة اعمار العراق والمناطق التي يجري تحريرها من "داعش" وغيرها من عصابات القتلة والتكفيريين والإرهابيين،تزداد صعوبة وتعقداً،فالحروب التدميرية لم تضع أوزارها بعد،وكلفة الإعمار كبيرة وتحتاج الى أرقام فلكية،ومن وعدوا بإعادة الإعمار،لن يتمكنوا من إعادة الإعمار لعدة أسباب،يقف في مقدمتها أن تلك الحروب لم تستطع ان تحسم مصير تلك البلدان لصالح أهدافها ومشاريعها في المنطقة،وكانت حروب فاشلة بإمتياز،بل شكلت صدمة وهزيمة لمشاريعها،وقدرتها على تمويل إعادة الإعمار او تمويل إستمرار تلك الحروب تتراجع،حيث ان أسعار النفط تهبط بسرعة قياسية لتصل الى ما دون ثلاثين دولاراً للبرميل الواحد، وعجز الموازنات الخليجية المتزايد سنة بعد أخرى،وتآكل احتياطياتها ومخزونها،حرباً تلو الأخرى،وموازنة إثر أخرى،والسعودية تودع العام الماضي وتستقبل العام الجديد بعجز في ميزانيتها لا يقل عن (87) مليار دولار،وسيزداد مع ازدياد الحرب العدوانية على فقراء اليمن،واستمرار تمويل العصابات التكفيرية والإرهابية في سوريا وغيرها،ناهيك عن تقديم الرشاوي لوكلاء حروبها،أو لشراء ذمم نافذين وأصحاب قرار في العديد من الدول،لكي تضمن تصويتها او وقوفها الى جانبها في إستمرار حروبها ومواقفها ضد اليمن سوريا بالتحديد.
أما قطر بلد الرفاة والتي اموال النفط نفختها كثيراً واعطتها اكبر من حجمها بفضل الغاز والبترول الذي تملكه،واسطولها الإعلامي " الجزيرة" التي كانت تلعب دوراً كبيراً في الخداع والتضليل وقلب الحقائق،هي كذلك تستقبل هذا العام بعجز لا يقل عن (13) مليار دولار،في حين العراق المثخنة بالجراح،والتي لم تخرج من حروبها المتلاحقة،فموازنتها لعام 2016 ستعاني من عجز لا يقل عن (26) مليار دولار.
تلك العجوزات مرشحة للإرتفاع والتضاعف مع استمرار حروب التدمير الذاتي،واستمرار انخفاض أسعار النفط،وبالتالي لن تكون تلك البلدان قادرة على الوفاء بعشر او أقل ما وعدت به من اموال ستضخ للإعمار بعد توقف الحروب التي أشعلتها ومولتها.أو هي ستحجم عن ذلك كلياً فنتائج حروبها المدمرة،كانت فاشلة بإمتياز وانتجت انظمة أكثر حقداً وكرهاً لها.
لا أعرف البلدان التي بلاها الله بالإرهاب،بعد التخلص من الإرهاب،ستكون امام تحديات كبرى،توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار والتنمية،بناء نظام سياسي جديد ودستور عصري،يحترم كل مكونات المجتمع وحقوقها أفراد وجماعات وأثنيات ويشركها في القرار والسلطة والحكم،تحقيق العدالة الإجتماعية ومحاربة الفساد،توفير الحاجات الأساسية للمواطنين،ومعالجة ملفات المهجرين قسراً.
الأسباب والظروف والعوامل التي أنتجت "داعش" ستنتج "دواعش" أشد فتكاً واكثر خطورة،ما لم يجر معالجة أسباب انتشارها وتغلغلها ،ف"داعش" كالطحالب تنمو مع وجود الجهل والفقر والتخلف والتهميش والإقصاء والشعور بالظلم والإضطهاد،هي عوامل يجب العمل على معالجتها وإجتثاثها بشكل تدريجي،وما انا متأكد منه بان عدم الوفاء بإعادة الإعمار سيدفع بالأمور نحو إنعدام الثقة والرغبة بالثأر والإنتقام،وقطاع غزة خير شاهد ودليل،الإنتقام والثأر من الدول التي دمرت بلدانها بتمويل جماعات الإرهاب والتكفير.
ورغم كل ذلك ما زلنا نثق بأن عام 2016،سيشهد انبلاج فجر عربي جديد،عنوانه القضاء على الإرهاب والجماعات التكفيرية،وتحجيم دور مشيخات النفط والكاز العربي،لصالح مشروع قومي عربي،ترسم ملامحه سوريا والعراق واليمن وتونس والجزائر وغيرها من البلدان العربية.
بقلم/ راسم عبيدات