انطلاقة الثورة الفلسطينية تاريخ الكفاح الثوري

بقلم: عباس الجمعة

لن يكون الكفاح الثوري ، التحرري العربي والفلسطيني مجدياً، إلا إذا كان كفاح شعب ، وان تكون القيادة جديرة باسمه من خلال الإرادة وخلق أشكال سياسية وكفاحية بلا مراتب أو محاسيب ، لأن النضال الوطني هو مهمة شائكة وصعبة، وخاصة في مرحلة تحرر وطني معقدة كالتي نعيشها اليوم في ظل مواجهة عدو استيطاني صهيوني عنصري ومشاريع تستهدف شطب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني .

وفي الذكرى الواحدة والخمسون لانطلاقة الرصاصة الاولى انطلاقة شعلة الكفاح المسلح انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، نؤكد على مواقف الرئيس الشهيد القائد ياسر عرفات ورفاقه القادة الشهداء العظام وفي مقدمتهم جورج حبش وابو العباس وطلعت يعقوب وابو جهاد الوزير وابو علي مصطفى وابو احمد حلب وسمير غوشة وابو اياد وعمر القاسم وفتحي الشقاقي وبشير البرغوثي واحمد ياسين وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وفضل شرورو وسعيد اليوسف وابو العز وابو بكر وابو العمرين، بان الشعب الفلسطيني شعب التضحيات وشعب الجبارين، هذا الشعب المؤمن بثورته ونضاله وانتفاضاته وهباته ، يستدعي من الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية اعادة مسار الثورة الى دورها المتجدد ومنهجها وواعية أكثر بمكونات واقع مجتمعاتها، وفيّه لكل شهداء فلسطين، ملتزمة بالمبادئ العظيمة التي ضحوا بأرواحهم من اجلها ووفيّه لأسر الشهداء والجرحى والأسرى المناضلين الصامدين ، وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تتطلب تركيز أهدافها ومهماتها الثورية عبر الانتفاضة المتجددة ، وان تتحمل مسؤولياتها الكبرى، في كونها تشكل في هذه المرحلة طليعة النضال الوطني الفلسطيني ، باعتبار ان الثورة الفلسطينية التي دخلت تاريخ الشعوب العربية تجسيداً حياً للمعاني الكفاحية في النضال من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وواجباً وطنياً وثورياً التزمه المناضلون الذين شقوا طريقً الكفاح وبنوا صرحاً من البطولات اثمرت اول انتصارات عربيه على العدو الاسرائيلي، ورسموا فيها اسلوباً جديداً في النضال وما زالت العيون شاخصة باتجاه تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة.

نعم قبل واحد وخمسون عاماً، في الأول من يناير 1965، زغردت بنادق الثوار ليسمع صداها في حناجر نساء فلسطين إيذاناً بانطلاقة الثورة التي بددت سواد الليل والخذلان العربي، رصاصات فلسطينية رفضت الاستسلام للذل المر وخنوع الأنظمة لواقع النكبة والهزيمة التي كانوا مأساتها في العام 1948، وعلى وقع أمواج البحر في قطاع غزة والقدس والجليل، كانت انطلاقة الثورة والمارد الفلسطيني ، لتسجل حقبة جديدة من تاريخ النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني.

واحد وخمسون عاماً من انطلاقة الثورة، مرت فيها القضية الفلسطينية بمنعطفات حادة وقاسية، أخطرها نكسة حزيران في العام 1967 التي احتل فيها الكيان الصهيوني ما تبقى من فلسطين، حيث كانت الأنظمة العربية في سبات عميق بعيداً عن القضية المركزية للأمة، قضية فلسطين التي هي عنوان الصراع العربي الصهيوني في المنطقة. وبعدها بعام كانت معركة الكرامة

البطولية ، لتضيف شعلة النضال زخما في الصراع ، ورغم مجازر أيلول في الأردن عام 1970، بقيت الثورة ، وكانت عملية الخالصة البطولية باكورة النضال الفلسطيني وجاءت حرب تشرين لتشكل النصر العسكري في أكتوبر 1973، ورغم محاولة البعض جر الثورة الى مكان اخر بسبب الحرب الاهلية اللبنانية ، الا ان الثورة استمرت وكانت عملياتها البطولية ضد العدو تشكل نموذجا نضاليا وكانت عملية دلال المغربي البطولية، وتصدت القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية لاجتياح العدو الصهيوني عام 1978 ، ورغم اتفاقية كامب ديفيد الذي وقعها السادات بعد مفاوضات عقيمة ،كان الرد من خلال عملية نهاريا البطولية " عملية الشهيد القائد جمال عبد الناصر " التي قادها الشهيد القائد سمير القنطار ، ورغم رفض الثورة بكافة فصائلها وقواه وكذلك القوى العربية الحليفة للثورة ، أتى اجتياح العدو الصهيوني للبنان عام 1982وصمود القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية فشكلت كوفية الرئيس الرمز ياسر عرفات نموذجا يحتذى به .

وامام كل هذا الصمود والعطاء ورحيل مقاتلي الثورة الفلسطينية من لبنان إلى بلدان الشتات بعيداً عن الجغرافيا الفلسطينية، دخلت الثورة في مرحلة أخرى أكثر قساوة، فكان تخطيط امير الشهداء ابو جهاد الوزير لاندلاع الانتفاضة الاولى عام 1987 في الداخل الفلسطيني لتعيد الروح لحالة الانكسار التي خلقها غزو بيروت ، وامام المحاولات المعادية اتى انعقاد مؤتمر مدريد الذي أسس لمرحلة التفاوض الفردي مع الكيان الصهيوني، فجاءت اتفاقية وادي عربة مع الأردن واتفاقية أوسلو في 1993، التي باعت أوهام للفلسطينيين، ولم تعد لهم الأرض التي وعدوا بها، وان من نتائجها مزيد من تهويد مدينة القدس والجدار العازل والترويج للدولة اليهودية وبدء تآكل مقاطعة الكيان وبضائعه في البلدان العربية.

ان الثورة الفلسطينية العملاقة، وتجربتها الفريدة، وما حققته ، تعرضت لكثير من الانتكاسات، نتيجة للاختلاف الاستراتجي بين النظام السياسي ومبدأ الثورة، وأهدافهما المتباينة والذي غذته عوامل إقليمية وعالمية مختلفة،، وهذا يتطلب منا الوقوف الى أين وصلنا بعد واحد وخمسون عاماً من النضال والتضحية والفداء، بفعل تضحيات الشعب الفلسطيني وشهدائه الأبطال من القادة والمناضلين والشباب الفلسطيني الذي يواجه بصدوره العارية وبارادته عبر عمليات الطعن والدهس، فشلال الدم ما زال مستمراً والشعب الفلسطيني يعاني صنوفاً من العذاب والمرارة.

ورغم اشتداد العاصفة فيجب ان لا ننحني ولن نغفل ، فهذه المدرسة الثورية أخذت على نفسها العهد بالمقاومة حتى الرمق الأخير كيف لا وهي من خطت في سفر حياتنا ملامح مواجهة العدو وأدواته دون ان نتنازل عن الثوابت الفلسطينية.

ان الحفاظ على الثورة بمعناها الحقيقي ، وعلى المشروع الوطني الفلسطيني ، والإنحياز للقضية والشعب والارض حتى تبقى البوصله واضحة ، فالنضال رغم كل الظروف يجب ان لا يتوقف ، ويجب الخروج من المرحلة اليأس والإنكفاء على الذات ، فعدونا يحاول نهب الارض وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وتقويض مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، بينما تحاول الادارة الامريكية تفتيت المنطقة وزرع الفتنة وتفجير النزاعات وعزل كل قطر عربي عن الآخر بتقويض أركان قوميته ، ومحاصرة قضية العرب المركزية " فلسطين " من خلال

طرح مشروع تصفوي بعد مفاوضات عقيمة دامت اكثر من اثنان وعشرون عاما ، وهذا يتطلب من الجميع التحرك لوقف اي مفاوضات والعودة بملف القضية الفلسطينية الى هيئة الامم المتحدة ومنظماتها المختصة،بما فيها محكمة الجنايات الدولية لوضع الاحتلال والاستيطان موضع المسائلة والمقاطعة والعقاب، ونيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين وتوفير الحماية الدولية المؤقتة للشعب الفلسطيني من ارهاب الدولة ومستوطنيها تحت اشراف الامم المتحدة ، وعقد المؤتمر الدولي من كافة الاطراف المعنية، لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، ورفض التفرد الامريكي الصهيوني على المستوى الدولي في معالجة القضية الفلسطينية.

أن الشعب الفلسطيني قادر على تجاوز الصعاب، فهو جبل المحامل، وطائر الفينيق الذي ينفض الرماد ويعود من جديد إلى حياة النضال والتحرير ، أليس هذا ما فعله الأسير البطل المحرر محمد التاج وقبله والأسرى الأبطال خضر عدنان وثائر حلاحلة ، هذا الصمود الأسطوري من شعب أبى الا ان يخوض معاركه على عدة جبهات ومنها معركة الأمعاء الخاوية من خلال هؤلاء المناضلون الذين علموا الكثير في أنحاء الدنيا وفي مقدمتهم احمد سعدات ومروان البرغوثي ووائل سمارة وباسم الخندقجي وفؤاد الشوبكي التواقين للحرية والعدالة والمساواة والتحرر، رغم الظروف الصعبة والقساوة حيث تنتهك حقوق المعتقل بما فيها منعه من العلاج، فهؤلاء مصممون على خوض النضال وهم يتطلعون الى فجر الحرية بانه بات قريب.

وامام هذه الذكرى المجيدة التي تأتي مع غياب رمزا من رموز المقاومة والحركة الاسيرة الا هو الشهيد القائد سمير القنطار العربي اللبناني المناضل الذي اختار النضال من اجل فلسطين، كما اخوانه ورفاقه من المناضلين العرب، والذي كلل مسيرته بالشهادة، بعد ان صمد في زنازين الاحتلال ثلاثون عاما من الاسر، حيث احتل موقعا مرموقا في الجبهة حيث انتخب عضوا في اللجنة المركزية، وفي عالم الكفاح التحرري، وخاصة ان الشهيد سمير حاول عبور الحدود الأردنية الفلسطينية لتنفيذ عملية فدائية لم تتكلل بالنجاح، حيث اعتقلته السلطات الأردنية، لكن سجنه لمدة ثمانية أشهر، لم يردعه السجن، وهو الشبل الذي لم يتجاوز الـ16 عاماً من عمره، بل كرر التجربة، حيث ركب موج البحر، وعبر إلى فلسطين، وقاد عملية مجموعة "جمال عبد الناصر" في نهاريا التي قُتل فيها 6 إسرائيليين، واستشهد إثنان من المجموعة الفدائية، بينما جرح وأُسر سمير ورفيقه "احمد الأبرص"، وفور تحرره اعلن خياره بالانتماء لحزب الله والمقاومة ،مؤكدا لم أعود من فلسطين إلا كي أعود إلى فلسطين، صحيح ان ثمة مناضلين يتحملون سنوات السجن، مهما طالت، ويصمدون أمام محنة السجن، مهما عظُمت، فأؤلئك هم صناع الثورة المحترفين وحراس قيمها الدائمين، الذين لا يرون فيها عملا يمكن انجازه في اوقات الفراغ، والشهيد سمير القنطار، واحد من هؤلاء المناضلين بامتياز، فترجم نضاله الحقيقي من خلال موقفه الثوري ، فشكل جبهة المقاومة في الجولان، وقام بعدة عمليات ليؤلم العدو، لذلك لم تكن الصواريخ بحاجة الى دليل كي تهتدي لشمس تسطع في سماء الكفاح لأجل فلسطين، بل كانت شمسه إغراء بالوصول اليها عبر مواجهة الاحتلال الصهيوني العدواني الذي يرفض التسويات، ويحترف الحروب، وجرائم الاغتيال. هذه حقيقة المناضل العربي سمير القنطار كي لا يُساءَ له ، على الأقل من بعضنا نحن الفلسطينيين، وخاصة من قبل بعض الإسلام السياسي والثورة المضادة ، لانه رمزا تربى وترعرع في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية.

امام كل ذلك نتطلع الى كافة الفصائل والقوى وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية ان تعطي الاهتمام لكل المناضلين، الذين انخرطوا في الثورة الفلسطينية وهم كافة الأقطار العربية ، فكانوا فلسطينيي الإنتماء، لأنهم عرب حقيقيون، جسدوا الموقف الشعبي العربي من قضية فلسطين وعروبتها، وقدموا حياتهم لأجلها، هم مناضلون آمنوا بعدالة قضية فلسطين، وضحوا لاجلها، فكان منهم من دخل السجن، أو قضى شهيداً، فيما لا يزال كثير منهم منخرطين في الهم الفلسطيني، بهذا الشكل أو ذاك، حتى يومنا هذا، فهؤلاء يستحقون التكريم واوسمة الشرف.

لذلك لابد من وقفة مراجعة جدية لمسيرة الكفاح الوطني ، ونحن نواجه المشروع الامبريالي والصهيوني ، واعادة بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري ، والخروج من الواقع المهزوم بما يشكل القوة الدافعة لجميع الفصائل والقوى والاحزاب، من اجل تقدمها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها .

ان ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية تستدعي منا الوقوف امام ما يعانيه الشعب الفلسطيني في الشتات وتحديدا في مخيمات سوريا ولبنان، الذين قدموا الشهداء ورفعوا رايات الثورة الفلسطينية من اجل الحرية والاستقلال والعودة ، حيث يعاني الشعب الفلسطيني في مخيماته، من اوضاع عديدة وابرزها الحقوق المدنية والانسانية المحروم منها، و القوانين التي تمنعهم من العمل في عشرات الوظائف، اضافة الى سياسة الاونروا بتخفيض خدماتها من صحية اجتماعية ينذر بكارثة حقيقية مما يتطلب التحرك السريع للضغط على اللامم المتحدة من اجل وقف اجراءات الاونروا لانقاذ الوضع الانساني داخل المخيمات ، وخاصة ان الشاهد العيان على نكبة الشعب الفلسطيني والمسؤولة المباشرة على مساعدة اللاجئين حين عودتهم الى ديارهم التي شردوا منها وبالتعويض العادل لهم عما لحق من اذى على مدار سنوات التشرد.

ختاما : لا بد من القول في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة علينا أن ننهض فكريا وثقافيا ونضاليا ونحمل هموم الشعب والقضية ونضع الحلول الخلاقة والمبدعة لكافة المشاكل التى تواجهنا , ولعل حركة فتح وكافة فصائل الثورة لديها الإمكانية أن تكون الرائدة فى هذا المجال، فيجب ان نستعد في الذكرى المجيدة من اجل استمرار مسيرة العطاء هذه المسيرة التي لا تعترف بعمراً ولا تعترف بالهزيمة، وحتى تبقى بريق في خندق واحد ، إن هذا التحدي يظل ماثلاً أمامنا أحزاباً وفصائل وكتاب مثقفين.

بقلم/ عباس الجمعة