قد نجد في العام الذي لفظ أنفاسه الأخيره عاماً يصلح للنسيان، ليس على الصعيد الشخصي لكل منا بل على المستوى العام، فكل شيء فيه بقي على حاله كأن الزمن قفز عنه دون أن يلتفت إليه، ودون أن يترك لنا علامات فارقة نحفظها له، جاء رتيباً وغادرنا على ذات النحو، لم يتمكن من تحريك مياهنا الراكدة سواء تلك المتعلقة بإنسداد الأفق السياسي أو تلك المنوطة بوضعنا الداخلي الذي يزداد سكوناً، وتزداد معه معاناة شعبنا.
لم تترك حكومة الاحتلال للسلام في المنطقة نافذة صغيرة يمكن أن ينفذ من خلالها، ليحط رحاله في ربوع فلسطين كي ينهي آخر إحتلال في التاريخ الحديث، بل أنها لم تحافظ على الفرص التي كانت قائمة في السابق، وباتت بسياستها أقرب اليوم إلى الإصدار الرسمي لشهادة وفاة مسيرة إنطلقت من بيت منعزل بعيداً عن العاصمة النرويجية "اوسلو"، حتى وإن حاول المتشبثون به استنزاف الوقت الإضافي، سيما وأن الخلايا الاستيطانية السرطانية تعمل بنشاط في ظل غياب علاج لها.
عام 2015 يطوي صفحته دون أن يتمكن من طي صفحة الانقسام البغيض، ودون أيضاً أن يسجل فيه اختراقاً يمكن أن يبنى عليه في معالجة الانقسام وتداعياته، وهو بذلك أضاف لعمر الانقسام عاماً آخراً، مضي دون أن تجد غزة منفذاً لها نحو العالم لتبقى اسيرة حصار يشهد على عالم فقد أخلاقه، انتهى دون أن تسجل فيه محاولات جادة لمعالجة هموم المواطن، المناكفة أعادت تموضعها من جديد لتفسح المجال مرة أخرى لحرف بوصلة الوطن، فيما الفقر ازدادت رقعته والبطالة سجلت أرقاماً فلكية والكهرباء واصلت غيابها، عام آخر تعطل المجلس التشريعي عن ممارسة مهامه وتعطلت معه المساءلة والمحاسبة.
عام آخر من خريف عربي تساقطت فيه الآلاف من أرواح أبنائه في أوطان تحولت أزقته إلى ساحات حرب للقبض على السلطة والحكم، لم تعد فيه القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية لا فعلاً ولا قولاً، استقطبت الهموم الذاتية مقاليد الأمور فتقدمت الجغرافيا واحتياجاتها على التاريخ وحكمته.
تكاد تكون الأحداث التي تشهدها القدس ومعها مدن وقرى الضفة الغربية هي المتغير الوحيد الذي حمله هذا العام، حتى وإن ادخلتنا في متاهة الاختلاف حول تسميتها، والذي بدوره يؤشر إلى أننا نبحث عن شيء نختلف عليه، وهي الثقافة التي يجب علينا أن نغادرها ونحن نبدأ عاماً جديداً نعول عليه أن يكون مغايراً عما سبقه، قد تكون مساحة التفاؤل لدى الكثير ضيقة لا تتسع لطموحاتنا، وقد نوغل في الواقع الذي يأخذنا معه إلى دهاليز التشاؤم، المؤكد أن المجتمعات لا تنهض طبقاً لمقياس التفاؤل والتشاؤم الذي يسكنها، ولو احتكمت المجتمعات لهذا المعيار لما تغيرت خارطة التقدم في العالم.
كثيرة هي القضايا التي لم يكن إخفاقنا فيها ناجم عن تعقيداتها وصعوبة الإفلات من قبضتها، بل الفشل جاء نتيجة طبيعية لعدم بذل الجهد المطلوب لها، بدءاً من الانقسام وتداعياته وإنتهاءاً بالقضايا الحياتية المختلفة، قد تكون الظروف المحيطة بنا، سواء ما يتعلق منها بتغول الاحتلال علينا من جهة وتراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية من جهة ثانية، تقف عائقاً في إيجاد الحلول السحرية لمشاكلنا، لكن بالمقابل بإستطاعتنا أن ننجز الكثير مما أخفقنا فيه سابقاً، ونحن دون سوانا من بإستطاعتنا أن نجعل من أعمالنا ما يصلح منها للذاكرة لا النسيان.
د. أسامه الفرا