وهكذا تمضي بنا الأيام سريعا ،وتمضي بنا الشهور والسنين ..فيمضي بنا قطار العمر ،وكلما أسرع ذاك القطار ،نقترب أيضا بسرعة من نهاية الرحلة ..رحلة الحياة التي نعيشها بحلوها ،ومرها.. وبنعيمها وشقاؤها ،وبسهولها وجبالها وأنهارها المنسابة بكل خفة ورشاقة، وتمضي بنا تلك الرحلة بأمواجها العاتية ..إن المعنى الدقيق للعام الميلادي الجديد ،هو نقصٌ طبيعي من عداد أنفاس حياتنا ،ودقات قلوبنا منذ لحظة الميلاد ..معنى العام الميلادي الجديد هو بمثابة ناقوسٌ كبيرٌ يدق في أغوار آذاننا الصماء ،عسى أن يحذرنا من كان في الثلاثين دخل سن الأربعين ،ومن كان في الأربعين التحق ، بقوافل الخمسين من العمرِ.. ولكن الرسول محمد رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم قال ،وكما ورد في الحديث: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. "رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ورواه الترمذي وابن ماجه. ومعنى الحديث أن أغلب أعمار هذه الأمة تتراوح بين ستين سنة إلى سبعين، ومنهم من يزيد على ذلك وهو قليل..وهو أمرٌ رهيب لذوي العقول ،والحكماء لأنها ..وقفة حساسة جدا وخطيرة تحكي باختصارٍ شديد ،أن الرحلة ..رحلة حياتنا كلما مرت سريعا ،اقتربت أكثر من النهاية .!،وكلما طوت الحياة يوما من أعمارِنا ،انتقلنا بكل فطرية.. من القوة إلى الضعف،ومن البدانة إلى النحول ..نحول في الشعر ،والجسد.. ونحول في الرؤى والسمع.. ونحول في الصحة ..لأن كل شيء منذ انطلاقة قطار العمر،حتما يأخذ منا كل شيء وبالتدريج ،ولا يعطينا شيئا.. أستغرب وبشدة للذين يستقبلون العام الجديد ..على سماع دقات الطبول ،وأنوار الشموع ،وسط أجواء رومانسية عاصفة بين الموسيقى والطرب.. وشرب المحرمات ،واقتراف المعاصي كبيرها وصغيرها احتفاءً بذاك العام الجديد ،ويبقى التساؤل الخطير اليوم قبل أن يصل القطار آخر محطة من محطات العمر ..هل نحن قد استعددنا لتلك اللحظة الفارقة فعرفنا الطريق الحقيقي إلى الله جل في علاه ..نصل الأرحام ، ولا نمنع النساء من حقوقهن في الميراث ..هل نحسن معاملة الوالدين ..هل نراعي حقوق الجار ..هل نحافظ على الصلوات الخمس ..هل نتجنب النميمة والنفاق والبخل وظلم العباد ..هل ...؟؟؟!
الغريب أن هناك من الذين ، يقرءون مثل تلك الكلمات ، لا يكترثون كثيرا لأنه.. لا يعينهم سوى طول الأمل ،فنراهم يحلمون أن تمر سنوات ، وسنوات أسرع حتى ينتهوا من تسديدِ ديونِهم.. فيقومون على عجالة فيشترون سيارة أو بيتٍ ..ومنهم من كل طموحه في الحياة هو تحقيق الحلم بزواج الأولاد، وأولاد الأولاد.! وكأنه سيبقى خالدا مخلدا في هذي الدنيا الغدارة الزائلة ..أمثال هؤلآء حقيقة أشفق عليهم كثيرا لأن الدنيا متربعة على عرش قلوبهم فما يكادوا أن يفيقوا وإلا وهم في حنايا القبر ..!!
بقلم /حامد أبو عمرة