صورة بصيغة مرسوم

بقلم: أسامه الفرا

لطالما استحوذت صور تم التقاطها في العالم الغربي دون تحضير مسبق على إهتمام كبير لدينا، ليس لأنها تختصر مفهوم الحكم لديهم بقدر ما توجعنا المقارنة، الرئيس الصيني يقف في طابور أمام مطعم في العاصمة "بكين" لتناول وجبة من الطعام، يدفع حساب وجبته كما يفعل أي مواطن صيني قبل أن يعود لممارسة مهامه على رأس دولة تكاد تبتلع العالم بنموها الاقتصادي، لم يلجأ الرئيس الصيني لمرسوم رئاسي يأمر من خلاله كبار موظفيه للتخلي عن رفاهيتهم والإقتراب من أفراد شعبهم، بل أراد أن يمارس الفكرة بذاته، وهكذا فعل رئيس وزراء هولندا عندما استقل دراجته الهوائية للذهاب إلى مقر حكومته، فعل ذلك ليسهم في تقليص العجز في موازنة دولته، هو يعلم جيداً أن ما فعله لا يشكل شيئاً في لغة الأرقام المالية لدولة يتجاوز فيها دخل المواطن السنوي الأربعين ألف دولار، لكنها كافية لأن تكون بمضمونها قراراً يعمل به الجميع.
رئيس وزراء سويسرا ينتظر القطار على الرصيف بمفرده، لا حراسات تفصله عن مواطنيه ولا موكب لا تعرف أوله من آخره، ورئيس وزراء كندا الشاب لم يدفعه فوز حزبه بالأغلبية في الانتخابات الكندية بعد أن كان في المرتبة الثالثة إلى الانكفاء على مناصريه، بل ذهب صبيحة اليوم التالي لمحطة القطارات ليشكر شعبه على تلك الثقة ويلتقط معهم الصور التذكارية دون أن يسأل أي منهم عن رايته الحزبية، مثل هذه الصور غير مألوفة لدينا وقلما نجدها في عالمنا العربي، وإن حدثت تكون مصطنعة مما يفقدها بريقها وأهميتها، حيث لدينا الكاميرا تسبق المسؤول، كأن المسؤول لدينا لا يثق في أن يوثق المواطن له صنيعه رغم التقنية التي باتت ترصد كل صغيرة وكبيرة.
لعل الصورة التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لإبن حاكم دبي ورئيس الوزراء، بلباس الدفاع المدني داخل الفندق الذي اشتعلت فيه النيران قبل ساعات قليلة من انطلاق إحتفالات رأس السنة، تأتي ضمن الصور التي يتوق لرؤيتها العقل العربي، خاصة وأنها لم تأت منفصلة عن واقع تعيشه قيادة الامارات مع شعبها، لم يسبق لي أن زرت الامارات لكن من فعل ذلك عبر زيارة خاطفة أو إقامة طويلة الأمد يرصد لنا التطور المذهل في تلك الدولة الصغيرة، ليس التطور بمفهومه الضيق "رغم أهميته" المتعلق بالعمارة والبنية التحتية، بل ما يتعلق منه بنظرة شمولية تحاكي لغة العصر، حيث بإستطاعة المواطن الإماراتي أن ينجز كل معاملاته عبر هاتفه النقال، بعد أن وفرت له الدولة كل مقومات رفاهية الحياة، والأهم أن القيادة لم تنفصل عن شعبها بل تعيش معه تفاصيل حياته.
ما يثير الاهتمام أن دولة الإمارات دون غيرها من دول الخليج العربي لم تعان من التدهور الكبير الذي طال أسعار النفط العالمية، حيث نجحت الدولة على مدار السنوات السابقة في خلق تنوع في ايراداتها لم يعد النفط عصباً لها، ما يعنينا هنا هو التوقف عند العلاقة بين القيادة والشعب، فما يبحث عنه المواطن أن تقوم القيادة بواجباتها حياله لا أن تعيش في أبراجها العاجية بعيداً عن همومه، وتطلعات المواطن تجاه قيادته لا تختلف في دولة تعيش قدراً وافراً من الرفاهية عن دولة يعاني أفرادها الفقر، كل منهم بحاجة لأن يرى قيادته معه تشاركه أفراحه وأتراحه همومه وتطلعاته، القيادات التي سجلت لها مكانة في التاريخ هي تلك التي كانت ملتصقة بشعبها.

د. أسامه الفرا