في الوقت الذي تجوب فيه الطائرات الغربية المقاتلة والنفاثة بلاد العرب، وتقصف وتدمر بالصواريخ والراجمات كل أخضر ويابس، استطاع رجل عربي واحد يحمل رشاشاً أن يربك دولة إسرائيل، ويبث الذعر في قلوب أكثر من مليون يهودي، فهل معنى ذلك أن العربي أقدر على التحمل؟ أم أن العربي أرخص دماً وكرامة وإنسانية من اليهودي؟
لقد تذرع الرئيس الروسي في قصفه لبلاد العرب بأنه يحارب تنظيم الدولة الإسلامية، وهذه الذريعة نفسها التي ما يزال يستعملها الرئيس الأمريكي الذي اعترف أن التحالف الدولي قد شن 9 ألاف غارة جوية ضد مواقع التنظيم في أربعة أشهر فقط، وبأحدث الأسلحة الأمريكية التي أصابت آلاف المدنيين العرب، وألحقت الدمار والخراب بآلاف المنشآت المدنية التي ينتفع منها المدنيون العرب؛ الذين أمسوا الخاسر الأكبر من هذه الحرب المفتوحة على المجهول، ولاسيما أن النوايا الغربية الخبيثة تحضر لمزيد من التدمير والتهجير والذبح الهادف إلى تجريد المنطقة من مواردها وطاقتها وحضارتها، وتركها نهباً للخراب لعشرات السنين، مع علم الجميع أن هذا الخراب المتعمد لا يخدم إلا دولة إسرائيل.
اللافت في حرب الدمار التي تجري على بقايا الأرض العربية هو قدرة الإنسان العربي العجيبة على القتال واحتمال الدمار، هذه القدرات العربية في مواجهة قوى العدوان ومقاتلتهم، تدفعنا للاستفسار عن حال العرب فيما لو تم تسخير كل هذه الموارد العربية والتضحيات في حرب ممتدة مع العدو الإسرائيلي؛ الذي يدير شبكة التآمر على هذه الأمة؟ هل كانت إسرائيل ستصمد كل ذلك الزمن في مواجهة القوى العربية والإسلامية لو التفتت إليها؟
لقد دللت الغارات على أن البقعة الجغرافية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية قد احتملت الآف الغارات الجوية، ولما تزل عصية على الكسر والتطويع كما اعترف الرئيس الأمريكي، فهل هذا يعني أن دولة الأردن وحدها قادرة على مقاتلة إسرائيل؟ وهل هذا يعني أن دولة مثل لبنان قادرة على مقاتلة إسرائيل، بل وتصفية وجودها في زمن أقصر من الزمن الذي تعرضت فيه الأراضي العربية في سوريا والعراق إلى غارات التحالف الدولي؟ وهل هذا يعني أن مصر العربية وحدها قادرة على سحق إسرائيل، واقتلاعها من الأرض؟
فلماذا عجز العرب مجتمعين عن محاربة إسرائيل كل تلك السنوات التي نعموا فيها بهدنة زائفة؛ مكنت عدوهم الإسرائيلي من محاربتهم داخل بيوتهم، وفي عواصمهم؟ ولماذا صار الاعتراف بإسرائيل قدر عربي لا مفر منه؟ في الوقت الذي تؤكد فيه كل المعطيات على أن الوجود الإسرائيلي الآمن في المنطقة هو سبب غياب الأمن عن المنطقة كلها، وأن سلامة إسرائيل وبقاؤها على قيد الوجود هو الوقود النووي الذي يحرك إرادة الشر لدى الإسرائيليين لتفتيت منطقة العرب، وإشعالها ناراً لا تنطفئ.
من المؤكد أن إسرائيل قد نجحت حتى الآن في إشعال الحرائق في بلاد العرب، ونجحت في تأمين المدن الإسرائيلية من لهيب النيران، ولكنها لن تضمن عدم اختراق الشرر المتطاير لحدودها، لأن شهب النيران المشتعلة قد تصل إلى المدن الإسرائيلية مع تغير اتجاه الريح، لذلك أزعم أن الذعر الذي انتشر بين سكان تل أبيت من رجل واحد يحمل رشاشاً، عشية السبت، كان ردة فعل غريزية؛ تفضح التوجس الذي يوسوس في صدور الإسرائيليين.
د. فايز أبو شمالة