قبل أن يطوي العام يومه الأخير كان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" يحط رحاله في المملكة السعودية للمرة الثالثة في عام واحد، وقبل أن يغادرها على وجه السرعة، بسبب وفاة صحفي مرافق له في الزيارة، أعلن عن إنشاء مجلس تعاون استيراتيجي مع المملكة، بقدر ما يهدف المجلس لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين إلا أن هذا لا يحجب الأهمية الحقيقية له المتعلقة بالتعاون العسكري والأمني، هناك اتفاق بين البلدين فيما يتعلق بالملف اليمني حيث وقفت تركيا مع التحالف الذي تقوده السعودية لتثبيت أركان حكم الرئيس اليمني منصور هادي، وهناك تطابق بين البلدين فيما يتعلق بالملف السوري، سيما وأن رؤية الدولتين لحل المشكلة السورية تقوم على اقصاء بشار الأسد من المشهد، وهناك أيضاً توافق بين البلدين فيما يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب، حيث انضوت تركيا ضمن التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنت السعودية عن تشكيله مؤخراً.
رغم التطابق بين الدولتين الذي نما سريعاً خلال العام المنصرم في ظل تولي الملك سلمان سدة الحكم في المملكة، إلا أن العلاقة مع مصر ما زالت تحمل بعض التباين بينهما، لكن الواضح أن الفجوة بينهما تقلصت بفعل تراجع المملكة عن دعمها المطلق لمصر كما كان عليه الحال ابان حكم الملك عبد الله من جهة وتراجع تركيا عن موقفها العدائي لمصر من جهة ثانية، وإن اتفقت الدولتان على أهمية التحالف السني لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة إلا أن منهجية العمل تحمل بعض التباين في وجهتي النظر.
التقارب التركي السعودي والذي توج بإنشاء مجلس تعاون استيراتيجي بينهما يلقي بظلاله على المنطقة بشكل لا يمكن تجاهله، سيما في ظل التوترات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، فمن جهة ما زالت أزمة اسقاط تركيا للطائرة الروسية تفرض ذاتها على العلاقات بين البلدين، ومن جهة ثانية التوتر بين السعودية وإيران الذي أخذ منحى خطيراً على أثر إعدام السعودية لمجموعة من الشيعة بتهمة الإرهاب.
الصورة في كل ما سبق واضحة لا تحتاج الغوص في تفاصيلها، لكن الشيء الذي علينا التوقف حياله بكثير من التدقيق والتمحيص تلك التصريحات التي أدلى بها أردوغان على متن الطائرة التي أقلته عائداً إلى بلاده، والتي تحمل كلماتها برغم وضوحها الكثير من الضبابية في نتائجها، حين قال الرئيس التركي "ان اسرائيل بحاجة إلى تركيا في المنطقة وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل"، الشق الأول مما قاله لا يحمل جديداً كونه يأتي ترجمة للعلاقة بين البلدين على مدار السنوات الطويلة السابقة، حتى وإن تصاعد الخطاب الإعلامي بينهما على أثر حادثة اسطول الحرية، إلا أن العلاقات التي تربط البلدين بقيت على حالها بإستثناء القليل منها الذي تعطل لفترة زمنية قبل أن يعاود نشاطه من جديد، لكن ما جاء في الشق الثاني من تصريحات "أردوغان" هو ما يتطلب منا التدقيق فيه.
إن القبول بإسرائيل حقيقة في المنطقة ارتبطت على مدار العقود السابقة بحل القضية الفلسطينية، فهل تصريحات أردوغان تلك تجاوزت ذلك الأساس؟، وهل لها ارتباطات بما يدور في كواليس المنطقة؟، والأهم هل المنطقة فعلاً بحاجة إلى اسرائيل؟، وما هي طبيعة تلك الحاجة؟، هل تقتصر على رفع الحصار عن غزة وتحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني أم أنها تتجاوز ذلك إلى المفهوم الإقليمي؟، المؤكد أن الدول تبني سياساتها طبقاً لمصالجها، لكن يبقى للشعوب كلمة الفصل في حاضرها ومستقبلها.
د. أسامه الفرا