هل تحولت أزمة الكهرباء في غزة إلى مرض مزمن "عضال" لا رجاء في الشفاء منه، وأن التعامل معه يأتي من مفهوم محاولة السيطرة على آثاره وانعكاساته بالقدر المستطاع حتى وإن اقتصر العلاج على المسكنات؟، الحقيقة أن أزمة الكهرباء في قطاع غزة بدأت قبل توقيع اتفاق أوسلو، حيث كانت الشركة القطرية الإسرائيلية تزود قطاع غزة بما يعادل 80 ميغاواط في الوقت الذي كانت فيه حاجة القطاع تزيد عن المائة، لكن المشكلة تفاقمت بعد التطور العمراني والاقتصادي الذي رافق قدوم السلطة الفلسطينية، وبقيت الأزمة على حالها وإن تراجعت مؤقتاً مع تشييد محطة توليد كهرباء غزة، فما لبثت أن عادت بأعراض أكثر مأساوية مما كانت عليه في السابق، ولم يعد الحديث ينصب على توفير التيار الكهربائي على مدار الساعة للمواطنين، بل في كيفية تقليص ساعات الفصل، حتى بتنا نراوح بين نظامي 6 أو 8 ساعات، وفي أحيان كثيرة لا نصل إليهما.
أزمة الكهرباء الحقيقية تكشر عن أنيابها في فصلي الصيف والشتاء حيث يرتفع استهلاك الطاقة الكهربائية، وما يصل اليوم قطاع غزة من كهرباء "الشركة القطرية ومحطة التوليد ومصر" هو أقل بكثير من حاجة القطاع، حتى وإن عملت محطة التوليد بكامل طاقتها، وبالتالي الحديث ضمن هذا الثالوث على حاله يعني ترقيعاً أكثر منه علاجاً، وما يمكن لنا أن نرصده هنا أنه خلال ربع قرن من الزمان ازداد استهلاك قطاع غزة أربعة أضعاف، وهو بالمناسبة زيادة متواضعة جداً إذا ما قورنت بالدول المحيطة بنا، وأن عودة عجلة إقتصاد قطاع غزة للحركة في حال رفع الحصار عنه وما يترتب عليه من عودة المصانع للعمل سيفاقم كثيراً من أزمة الكهرباء قد تصل إلى مستوى الإنهيار.
الخيارات المطروحة أمامنا لتجاوز أزمة الكهرباء الخانقة لأبجديات الحياة في قطاع غزة يجب ألا تقتصر فقط على مدى موافقة أو رفض حكومة الاحتلال لها، بل أن نراعي فيها الجانب الإقتصادي لها، فعلى سبيل المثال أن تكلفة الكيلووات من محطة التوليد يفوق بكثير مثيلة من الشركة القطرية، وبالتأكيد أن كلاهما يزيد عن السعر الحقيقي له، على العموم الخيارات أمامنا تكاد تقتصر على التالي:
أولاً: زيادة كمية الكهرباء المستوردة من الشركة القطرية الإسرائيلية، وهو ما يتطلب موافقة إسرائيلية على مدار سنوات اتسمت بالمماطلة والتسويف، وفي ذات الوقت يبقينا هذا الخيار تحت رحمة القرار الإسرائيلي، وإمكانية العودة عنه في أي لحظة دون سبب سوى ممارسة المزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية.
ثانياً: الإعتماد على زيادة القدرة الإنتاجية لمحطة التوليد والذي يصطدم بالنواحي الفنية من جهة والتكلفة من جهة ثانية، ناهيك على أنه يبقى عرضة لإعتداءات إسرائيلية كما كان ابان العدوان على غزة.
ثالثاً: الربط الثماني والذي من الواضح أنه لن يكون بمقدروه وضع الحل السحري للأزمة سيما وأن دولاً ترتبط به "لبنان على سبيل المثال" تعاني من أزمة كهرباء لم يتمكن الربط الثماني من مداواتها.
رابعاً: سفينة التوليد وهو ما يتطلب موافقة إسرائيلية غالباً ما تكون ضمن صفقة قد نجهل تفاصيلها، هذا بالإضافة إلى أننا نجهل حتى اللحظة تكلفة الانتاج والذي يمكن له أن يشكل عبئاً اقتصادياً علينا، ناهيك على أنه يبقى تحت السيطرة الاسرائيلية والتشويش في عملها، قد يبقى هذا الخيار صالحاً إن توفرت فيه الضمانات بعدم إقدام حكومة الاحتلال على الاخلال بعملها من جهة وأن تكون تكلفة الانتاج تحقق الفائدة الاقتصادية لنا.
خامساً: أن يتم الاتفاق مع الشقيقة مصر على تشييد محطة توليد في رفح المصرية، وحبذا لو كانت برأس مال فلسطيني مصري مشترك يمكن للقطاع الخاص أن يلعب الدور المحوري فيه، فالمؤكد أن هذا يبقينا بعيداً عن الغطرسة الإسرائيلية من جهة ويقلص كثيراً من فاتورة الكهرباء التي ترهق كاهل السلطة والمواطن.
لا شك أن أزمة الكهرباء في غزة ليست من الأمراض المزمنة "العضال"، هي بحاجة لأن نخضع خيارات الحل للممكن فيها صاحب الجدوى الإقتصادية الأفضل، وأن نغادر المكان الذي جعلنا منه أزمة الكهرباء مرض عضال نداويه بشيء من المسكنات.
د. اسامه الفرا