ما يجري من أحداث متلاحقة ....ما بعد فشل ما يسمي بالربيع العربي ...هو محاولة لإحداث الشتاء الاسلامي ...لشق الامة ما بين المذاهب والطوائف ....في ظل استهداف مستمر ومتصاعد لإهدار طاقات الأمة ....وتفتيت جهودها ....وخلط أولوياتها ....في ظل مخططات لا زالت تجري في واقع ارهاب أسود ....تم صناعته بفكر استعماري ...استخباراتي ....لتفتيت الأمة... وزعزعة استقرارها ....ووقف عوامل تطورها وتنميتها ....وابقاء حالة شعوبها تحت خط الفقر ....والاحتياج الدائم لمساعدة الاخرين ....مما يفتح المجال للتدخلات بكافة صورها .
تعيش الامة مرحلة الاستقطاب ....والانقسام ...مرحلة المحاور والتحالفات ....في ظل متغيرات وانقلابات سياسية ....لا يحسب حسابها في الفكر السياسي للأمة ....ومرجعه الي حالة التضارب بالمصالح الذاتية .....واختلاف الأيدولوجيات والمعتقدات الفكرية ....وتعدد الاهداف ....فالانقسام والاختلاف ....وحتي سياسة المحاور والتحالفات ....لا تعبر بالضرورة بمجملها عن أولوية وطنية قطرية ....بدليل واحد وبسيط ...أن كافة الشرائح والطبقات بأغلبيتها داخل تلك المجتمعات ....ليس لها أدني مشكلة أو أزمة.... مع ما يماثلها من تلك الطبقات والشرائح بالمجتمعات الأخرى ....الا ان أولوياتها القصوى وبالمنظور الذاتي الحصري.... العمل علي تطوير شعوبها ...وزيادة مدخولاتهم ...وتحسين مستوي معيشتهم ...في ظل العلم والحدود والجغرافية السياسية ....وكل مواطن في تلك الدول يمارس شعائره الدينية ....وحرياته العامة والخاصة وفق الأنظمة والقوانين والاعراف المعمول بها داخل تلك الدول .
المتابع لحالة التوتر ....وثقافة الانقسام المتجذرة داخل المنطقة... يستخلص بعض العناوين المتسببة في تعميق مثل هذه الثقافة ومنها .
أولا : العصبوية المناطقية والنزعات الطائفية والمذهبية .
ثانيا : الأيدولوجيات والمعتقدات المذهبية .
ثالثا: المستويات الاقتصادية المتعددة والمختلفة بحسب الشرائح والطبقات داخل كل دولة .
رابعا : اختلاف معايير العدالة والمساواة داخل كل نظام .
خامسا : اختلاف مستويات ومساحات الحريات العامة والخاصة ...الممنوحة للمواطن داخل كل دولة .
سادسا : مدي تمسك تلك المجتمعات بالديمقراطية وممارساتها وأنظمتها المتعارف عليها .
سابعا : مدي الالتزام بالقوانين الوضعية وأحكامها ومبادئها ومدي قربها وابتعادها عن مبادئ الشريعة .
ثامنا : أزمة الاعلام والثقافة ...وصناع الرأي العام ومدي ارتباطهم ...أو خلافاتهم مع الانظمة الحاكمة ....وبحسب مرجعياتهم المذهبية والطائفية .
ما سبق من نقاط وعناوين تعتبر من القضايا التي يجب البحث والتحليل فيها ....اضافة لاعتبارات لها علاقة بالأوضاع الداخلية داخل كل مجتمع ...وما يتوفر من تنامي ثقافة الخلاف ...والتي تبدأ بالخلاف الخفي ...ثم تتطور الي الخلاف العلني ...والذي يتنامى ويزداد بحدته والي درجة عنفه بمدي دعمه خارجيا من قبل دول وأحزاب ....وبما لا يتماشى مع مصلحة الدولة ونظامها واستقلالها ....مما يحدث حالة من الفلتان تحت شعارات حرية الرأي والتي تخرج عن الاطار الحاكم والمنظم لها .
من هنا ....تأتي ثقافة الانقسام تعبيرا عن نخب متناحرة متسارعة ....يجد كل طرف في نفسه الاهم والاولي بمصلحة المجتمع وأولوياته ....ويأخذ الجذر والمد سنوات طويلة تتوارثها الاجيال ...ويتنامى بفكرهم وبمناطقهم صحة ما يعتقدون وما يؤمنون ...مما يعزز حدة الخلاف ...والتطاول ..والي حد التدخل والخروج عن المألوف في علاقات الدول ....حتي وان كانت داخل أمة واحدة ....وديانة واحدة ....الا أن هذا لا يعطي حق التدخل ...وربما لدرجة التآمر ومحاولة تحقيق مصالح ذاتية علي حساب مصلحة وطن ودولة.... لها أولوياتها ولها أهدافها التي تسعي لتحقيقها خدمة لشعبها .
تحرك ثقافة الخلاف ....وتعزيز توجهات المحاور والتحالفات ....بهذه الوتيرة المتسارعة والقوية ...في ظل اشتداد حرب المصالح ....والنزاعات الطائفية والمذهبية .....ومدي احتماليه وصولها الي حالة صراع مكشوف ....ما بين بعض الاقطاب ....بعد ان كان شكل الصراع علي ارض الاخرين .
الاحتدام والصراع ودائما تكون نتائجه خسارة كبيرة ...وخراب مجتمعي ...وفشل تنموي وأمني .....يكون المستفيد منه أعداء الامة ....وليس أهل الأمة .
منطقتنا العربية والمستهدفة بصورة دائمة.... والتي يجري التآمر عليها منذ عقود ...ولا زالت المؤامرات تنسج خيوطها من أجل اسقاط الدول ....وتقسيمها الي دويلات صغيرة ....وما يجري من صناعات دولية لقوي ارهابية ....بمرجعيات دينية ....بمحاولة اشاعة ما ليس بالدين ....وخلق حالة من التضارب ...بعكس تعاليمنا ومبادئنا وديننا الحنيف ....يحاولون الاساءة لديننا من خلالنا ...ومن خلال مصالح انية وذاتية... للبعض من اهل هذه الامة .....ومرجعه لمصالح وأطماع ....لا علاقة لها بمصالح الأمة ....ولا بمصالح الدول وشعوبها .
فحقيقة القضايا الخلافية ....التي يتم اشاعتها وتغذيتها ...ليست بالقضايا الحيوية والاستراتيجية ....ولم تكن تشكل تهديدا لمصالح أي مجتمع من المجتمعات ...لكن المشكلة تكمن في تضارب المصالح ...ومحاولة فرض الهيمنة والسيطرة ....من خلال جهود حثيثة للفرز المذهبي والطائفي .....وهذا ما يشكل خطرا داهما علي مقومات الأمة ووجودها واستقرارها .
نحن في فلسطين..... نتطلع الي أن تكون الأمة موحدة ...وأن يكون الوطن الكبير موحد ....وأن يكون الوطن الصغير لكل مجتمع من مجتمعاتنا موحدا ....ليس لنا مصلحة في تعزيز ثقافة الانقسام ....والمحاور والتحالفات ....لأنها بالمجمل محاولة اضعاف ...وليس احداث قوة ...محاولة لتفتيت والتشتيت ....وليس تعزيز لوحدة ...محاولة لصناعة النزعات الطائفية والمذهبية ....وليس العمل على وحدة الدين وتعظيم شأنه .....ثقافات انقسامية ...في ظل محاور وتحالفات واستقطابات ...والتي تعتبر مضيعة للوقت ..واهدار للطاقات ...وتشتيت وتفتيت للجهود .....وعمل يخدم أهداف ومخططات .....من لا يريدون خيرا لهذه الأمة . فيا خسارة هذه الأمة .
الكاتب : وفيق زنداح