منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية ما بعد اتفاقية أوسلو بالعام 93....وعودة القيادة الفلسطينية وعلي راسها الشهيد أبو عمار والعديد من القيادات والكوادر وأعضاء الفصائل المنضوية في اطار منظمة التحرير .....وما تم بعد ذلك من اجراء أول انتخابات رئاسية وتشريعية ...ورفض المشاركة بها من قبل أقطاب المعارضة الفلسطينية ....وما تم من فوز حركة فتح ...بمنصب الرئاسة وأغلبية أعضاء المجلس التشريعي ....في أول تجربة ديمقراطية يشارك فيها أبناء الشعب الفلسطيني في اختيار رئيسه وممثليه .
منذ تلك اللحظة التاريخية والفارقة في حياة الفلسطينيين ....عملت السلطة الوطنية بما توفر لها من امكانيات وكوادر علي بناء مؤسساتها وأجهزتها ....وحدث تحول كبير علي مستوي البنية التحتية والخدمات المقدمة ....كما وتم انجاز وبناء المؤسسات والوزارات التي تستطيع أن تؤدي خدماتها لكافة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية والقطاع .
صاحب تأسيس السلطة الوطنية محاولات حثيثة من قبل الاحتلال الاسرائيلي .....بمحاولة اضعافها ....وتدمير مؤسساتها ووزاراتها ....ومحاولة تحديد مسارها ...وتضييق دورها ....حيث كان الرد الفلسطيني رافضا لمثل تلك السياسات الاسرائيلية ....التي كانت تختلق الذرائع والمبررات ...بمحاولات الدخول لأراضي السلطة ...وحتي قصف مقراتها من خلال طائراتها ....وحتي قصف مقر الرئاسة ..ومطار الرئيس .
تجربة عشنا تفاصيلها وبكافة عناوينها .....وبكل ما يمكن أن يقال فيها ...وما لا يجب أن يقال ...لأننا علي قناعة ثابتة وراسخة أن السلطة الوطنية كانت البداية ....وكانت المقدمة الصحيحة لمرحلة التحرر الوطني في ظل ما توفر من حلول سياسية ....وفي ظل ميزان القوي ومعادلة السياسة الاقليمية والدولية .
كانت بدايات تأسيس السلطة حملات سياسية واعلامية أن غزة ...أريحا اولا وأخيرا ...وأن ما جري من اتفاقية وتأسيس للسلطة هو بداية النهاية ....وليس بداية البداية ....التي ستضفي الي الدولة .....كانت هناك اجتهادات وتباينات سياسية ....كانت حركة فتح قائدة المشروع الوطني ....بموقف المدافع المستميت ....لأنها تدرك معادلة الصراع.... وما جري ....وسوف يجري من اختلال بموازين القوي ..ولإدراك فتح أن النضال السياسي من داخل الوطن ....ومن خلال بوابة أول سلطة وطنية .....سيفتح أفاق سياسية ودبلوماسية ....ستجعل من القضية الوطنية الفلسطينية قضية دولية ....وسيكون هناك المزيد من الانجازات والاعترافات السياسية والدبلوماسية للشعب الفلسطيني وقضيته....وهذا ما يستوجب المخاطرة ....في ظل معادلة الصراع ...مع عدو مجرم ...لا زال علي موقفه وتعنته ...ما زال علي مماطلته وتسويفه ...وعدم التزامه بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه .
حركة فتح تجرأت وتحملت علي أكتافها وبسواعد قادتها ورجالها ....وجماهيرها ....بناء أول سلطة وطنية ....مدركين تبعات ونتائج مثل هذه الخطوة ...لكنهم المدركين الاوائل ...أن الامور بنتائجها ....ومحصلتها النهائية ....ولن تكون التحليلات ذات فائدة تذكر.... في ظل تشابك المواقف وعدم وضوحها ....وما يجري من تجاذبات سياسية واعلامية يحاول كل طرف أن يرجع الحقيقة لمواقفه....والخطأ لمواقف الاخرين .
حركة فتح تحملت تبعات ومسئوليات السلطة ....وواجهت حملات وانتقادات حادة ....وصلت في بعض مراحلها الي درجات لا تحتمل من المغالطات والتجاوزات ...ومع كل ما حدث ...تحملت فتح ولا زالت تمسك بجمر السلطة ....ونارها ....في ظل بعد الاخرين ...وعلي قاعدة (ان عمرت كنا فيها ...وان خربت فنحن خارجها ).
حركة فتح عملت علي تقوية دعائم السلطة ....واسرائيل عملت علي اضعافها.....كما وعملت المعارضة علي اضعاف السلطة في مقاربة غير منطقية ....وفي نتيجة واستخلاصات في ظل تباعد الاهداف والنوايا .
فإسرائيل ونواياها في اطالة عمر السلطة ....بواقعها الضعيف ..والغياب ....ووضع العثرات على طريق الدولة ...وهذا ما تم بعدم الالتزام الاسرائيلي ...بالمرحلة الثالثة لاتفاقية أوسلو والتي كان يجب أن تنتهي في سبتمبر بالعام 99 ونحن الان في العام 2016 ...ولا زالت السلطة الوطنية قائمة ومستمرة ....ولكنها تضعف ولا تقوي ....ولا زالت فتح تعمل بما تستطيع وتمتلك بمساندة السلطة الوطنية ....وتعزيز وجودها ومقومات قوتها ...في ظل ظروف شديدة الصعوبة ...وتحديات تزداد بصورة متسارعة ...وهذا لا يعني أن حركة فتح قد أعطت كل ما تمتلك.... وما يجب عليها عمله ....فلا زال لدي فتح ...الكثير من الاوراق التي يمكن استخدامها ...لتعزيز سلطة السلطة ودخولها في مواجهات سياسية ....ودبلوماسية ...تجعل من السلطة ..دولة محتلة ....وما تتطلبه الدولة المحتلة من قرار أممي بالانسحاب الفوري ....والحماية الدولية في ظل مقاومة شعبية .....لا زالت تتصاعد بفصولها النضالية .....لتؤكد أن فتح تستطيع أن تغيير معادلة الواقع ...وأن لا تبقي في اطار ما يعتقد البعض أنها قد فقدت الكثير من أوراقها الهامة في ظل تبنيها لمشروع السلطة ....والذي هو بحقيقة الأمر ..مشروع التحرر والدولة ....حتي وان كان هناك بعض الخسائر .
المعارضة الفلسطينية ....ومع أهميتها وضرورتها الديمقراطية والوطنية ....الا انها لم تطرح البدائل العملية لمشروع السلطة .....والتسوية السياسية ....وهذا لا يعني غياب خياراتها علي اعتبار أنها تتبني خيار المقاومة ...ولا تتبني خيار العمل السياسي والتفاوضي ....بمعني أن أغلبية المعارضة الوطنية والاسلامية باستثناء الجهاد الاسلامي مشاركين بطريقة أو باخري في مؤسسات السلطة الوطنية فالمجلس التشريعي الفلسطيني ....والكتل البرلمانية المشاركة فيه هي من كافة الاطياف السياسية والمستقلين .....والمجلس التشريعي هو السلطة التشريعية للسلطة الوطنية ....وبالتالي فهناك الكثيرين من قيادات واعضاء المعارضة ....هم داخل صفوف ومؤسسات ووزارات السلطة الوطنية .....أي أن الشراكة في السلطة ليس عارا سياسيا ...وليس استسلاما سياسيا ....وليس انقاصا للوزن الجماهيري لأي فصيل فلسطيني ....بل علي العكس تماما ....فمن يشارك في مؤسسات السلطة ووزاراتها .....ويعمل علي تحمل المسئولية سيكون موضع احترام وتقديرشعبنا ....حتي وان كانت النتائج المرجوة باقل من تقديرها المطلوب ....لكنه الأفضل من أن يستمر الحديث والنقد .....وكأن السلطة الوطنية قد أصبحت هي الملاذ لصب الغضب ...واطلاق الاتهامات ....واثبات القصور ....والتعبير عن حالة الضعف.
المتابع للمعارضة السياسية الفلسطينية سيجد أنها قصرت.... ان لم يكن حالها بأضعف من حال السلطة ....وهذا ما يجعل من المعارضة غير فاعلة ....علي أهمية وجودها ...والاهم علي زيادة قوتها وتأثيرها علي تصويب أداء السلطة .
لازالت المواقف علي حالها ....حركة فتح تدعم السلطة وتتحمل مسئولياتها ...والمعارضة تنتقد السلطة ولا تطرح لها حلول ....لعوامل ضعفها ...واسرائيل المحتلة بكل جرائمها واستيطانها وتدخلاتها المستمرة وحصارها .....تعمل على اعاقة واضعاف السلطة ...حتي تجعل القيادة الفلسطينية في مواجهة التفاصيل الحياتية والخدماتية ...وأن تبتعد عن معترك العمل السياسي والدبلوماسي والذي اصبح يحرج اسرائيل ...ويرفع من شأن فلسطين وقضيتها .
حل السلطة الوطنية الفلسطينية ....لا نجد من له مصلحة بانهيارها ...فتح ليس لها مصلحة ...والمعارضة ليس لها مصلحة ...واسرائيل ليس لها مصلحة ....وبالتالي دول المنطقة والعالم ليس لهما مصلحة .....من هنا السلطة الوطنية باقية ومستمرة ....ولكن السؤال ...هل السلطة بواقع ضعيف ......أم بواقع قوة ؟؟!!.
لا يجب القبول بمعادلة المواقف القائمة حول السلطة الوطنية في ظل استمرار اضعافها ومحاصرتها .....وما يجري حولها وبداخلها ....وما يقوم الاحتلال بارتكابه ضدها ....من انتهاك للسيادة ...ومحاولة اضعافها ...وجعلها في موقف لا تحسد عليه داخل المناطق المسيطر عليها
اسرائيل المحتلة والتي لا تدري الي أين تتجه بعدوانها ومؤامراتها ....سيكون أول من يدفع ثمن انهيار السلطة ....في ظل معادلة دفع الثمن من الجميع .....لأن سيناريو ما بعد السلطة فوضي عارمة ستحرق الاخضر واليابس ...ولن تكون ذات فائدة تذكر لإسرائيل وغيرها .
خلاصة القول .....حركة فتح عليها بالتماسك ...واستمرار الدفاع ...بكل قوتها الجماهيرية لدعم السلطة الوطنية ....وتقوية دعائمها ..حتي تصل الي مرحلة الدولة ...والمعارضة يجب أن تزيد من دعمها للسلطة علي طريق الدولة ...لأن السلطة القوية والقادرة ....قوة للمعارضة وخياراتها ....من أجل انهاء الاحتلال الجاثم علي صدورنا ...وازالة الاستيطان .
اما اسرائيل المحتلة فعليها ان تدرك أن السلطة بداية ...لمشروع تحرر وطني ...وأننا علي طريق الدولة وتجسيدها علي أرض الواقع بعاصمتها القدس ....وأن خيار الدولة والعاصمة الابدية .......هو خيار فتح والمعارضة .....وكافة ابناء فلسطين ....ولا مجال للتلاعب علي ما هو ثابت ودائم .
بقلم/ وفيق زنداح