يذهب "التأسلم السلطوي" مذاهب شتى، ما عدا السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الفلسفي، وهو لا يقرب سوى أيديولوجياه الخاصة التي لا تعرف أن تمتاز بغير العداء للآخر، كل آخر حتى الذي من طينته نفسها، وكذلك بامتيازه بالعنف والتطرف والإرهاب، وذلك على قاعدة من ادعاء وتوسم الـ "خلاصية" التي يتشارك فيها الفرد كما "الجماعة"، لا سيما وهي ترى في ذاتها كونها النمط الفريد والوحيد لـ "المخلص" أو "المهدي"، في تعاليها واستيهاماتها، الأمر الذي قادها ويقودها لأن تكون "سيدة السلطة" المُطاعة، وبالتالي لا ضير إن ارتكبت من الخطايا ما لا طاقة لبشر على تحمّله، بمزاعمها وتضليلها وادعاءاتها، من قبيل تلك الارتكابات "الداعشية" في تبريراتها التي تجعل من جرائمها "تطبيقاً للشرع" و/ أو معيناً لإقامة "حكم الله على الأرض".
ما يمارس من ارتكابات لا يقرب "الداعشي" من "الشرع"، وبالطبع لا ولن يعينه لـ "الاقتراب من الله"، إلا في صورة وإطار الأيديولوجيا التي لا تفرق بين "أمر الله" و "أمر الخليفة الداعشي" وأضرابه من الأفراد، وحتى أولئك الذين يقدمون فروض الولاء والطاعة خفية وتقية ومن بعيد، لتبرير جرائم بحق الإنسانية، لا يحضّ عليها الدين، وإنما التدين، والنزوع المرضي إلى السلطة الشمولية والاستبداد وشهوة القتل، وبفتاوى لا تفقه من الفقه سوى فقه "التوحش"، ومن الفتاوى سوى فتاوى "الحلول" و "الإحلال"، وما هذا من الدين في شيء، بل هذا هو بالفعل ما يضاد الدين والإيمان به، في ما هو أقرب إلى الكفر والزندقة، تلك التي يستعملها "دواعش" عصرنا كمبرر لإبادة كل من لا يتماثل معهم، أو يعاندهم ولا يطاوعهم من البشر. هذه هي حال "التأسلم السلطوي" في بلادنا، كما هي حال أضرابه من الذين يجري تصديرهم إلى بلدان العالم المختلفة، أو إعادة توريدهم إلينا أكثر توحشاً، وأكثر "تديناً سلطوياً". فأين السياسة من هذا كله، بل وقبل ذلك أين الإسلام؟.
بالطبع، لا يمكن أن تُبنى الدول والمجتمعات بنزوع سلطوي استبدادي وتسلّطي إجرامي كهذا، على ما هي حال التطرف والإرهاب والعنف الأيديولوجي لقوى "التدين الجديد"، وهو يأخذنا وبتقنيات الحداثة الراهنة، إلى أمكنة جديدة على قاعدة من التفنن في استنباط آليات جديدة من "فقه التوحش"، وما كل هذا العداء للطبيعة البشرية والمجتمعات الإنسانية، إلا لكونها لا تتماثل ولا يمكنها بالطبع أو التطبّع، أن تتماثل مع أي نموذج معياري لأي دين، فكيف يمكنها أن تتماثل مع تأويلات أو تقويلات "تدين سلطوي" لا يسعى بلطجيوه وشبيحته، إلا الى تثبيت سلطة لهم، في واقع يرفضهم، ويرفض تماثلهم معه كأبناء "نجباء"، لوحشية أيديولوجيا التطرف الديني، وتشريع الإرهاب وتسويغه، كجريمة منظمة تعادي الإنسانية؟.
* كاتب فلسطيني