نميمة البلد: الدبكة والتنوير وثورة الاحرار

بقلم: جهاد حرب

يثير حذف احدى المؤسسات الفلسطينية لمقطع فيديو لطلاب وطالبات يحتفلون بانطلاقة الثورة الفلسطينية بحلقة دبكة مسألتين، الاولى الخوف من الانتقاد والتراجع عن افعال نؤمن بها كما جرى فيما يتعلق بالدبكة، وهي في نفس الوقت جزء من الموروث الثقافي الجمعي للفلسطينيين قدمت صورة الفرح لدى الفلسطينيين للعالم بشكل متوازي مع عنفوان الثورة المسلحة في مواجهة الاحتلال وهما صورتان متلازمتان لاي شعب يسعى للحرية.

فاصحاب الاجندات الظلامية الذين لا يريدون للناس التعبير عن فرحهم، كلٌ على طريقته، يجدون مدخلين لتخويف الناس، عبر انتقاداتهم الفاسبكية أو الاعلامية أو النقاش، بالخروج عن الواقع لحالة الحزن على الشهداء أو مخالفة الدين. المدخل الاول: أوضاع البلاد بسبب حالة المواجهة مع الاحتلال وارتقاء الشهداء الى السماء؛ يتناسى هؤلاء أن الشهادة هي التضحية بالروح وهي قمة العطاء والبذل اتجاه قضية، وهي فرح من نوع آخر يقوم بها البعض فداءً لوطنهم واهدافهم، وهم الشهداء يزفون "يوارون الثرى" الى السماء بزغاريد "أليست الزغاريد عنوان الفرح في طقوسنا وعاداتنا". فالشهداء يفرحون على طريقتهم هنا وهم بذلك لا يمنعون الاخرين من الفرح بطرقهم. هم "الشهداء" قضوا من اجل الحياة أو توفير حياة بكرامة للآخرين. والكرامة حرية وهي شكل من اشكال الفرح دونها نبقى عبيدا للاصنام. أما المدخل الثاني: هو الدين وكأن الفرح محرما أو  ان الدين حدد شكلا محددا لطقوس الفرح.

أما المسألة الثانية التي تثير الخوف على مستقبل البلاد هي ترك الساحة لتشكيل هوية البلاد وطريقة عيش العباد وفق صورة واحدة لجميع الناس أو رؤية واحدة دون غيرها ما يعني تغييب طبيعة البلاد التعددية، الدينية والطائفية، ما ينذر بإلغاء الاخرين ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وصولا الى الغاء روح البلاد.

والرعب، وليس الخوف وحده، يتأتى من تخلي البعض عن تقدميتهم والانسحاب مبكرا من مواجهة التهديد الفكري، وعدم القيام بالدفاع عن افكارهم وما يؤمون به للعيش في مجتمع تقدمي يقبل بالاختلاف والحوار دون اقصاء لأحد أو افكاره. ونحن في هذه الايام نحتاج للجدل والمجادلة في مسائل كثيرة ليست فقط في السياسة والحكم بل في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لبناء نهضة وطنية تمنح فرصة للحرية ومن الفرح وهي مهمة التنويريين.

التنويريين هم الاحرار الذين دائما يدفعون ثمنا لجرأتهم وعدم خوفهم من وضعهم في زوايا المعارضة أو الخوارج، قد تتعثر بهم الايام بملاحقة "العسس" على رأي الزميل الكاتب يونس العموري في مقاله "دردشة في ظل المحرمات".  لكنهم بكل تأكيد ليسوا كالعبيد ينعمون برضا أسيادهم أو يحاولون نيل هذا الرضا بجميع السبل لكن بعبوديتهم وتبعيتهم، بل الاحرار  هم ينعمون بالمستقبل لهم ولأبنائهم ولشعبهم لان الثورة قادمة وهي حرية وفرح ونهضة.


توضيح وتنويه

جامعة بيرزيت لم تقم بحذف فيديو الدبكة الذي نشر على صفحتها، بل ما زال موجودا رغم كل الكتابات والمشاركات التي التي اثريت حول هذا الفيديو.

والمقال بالتحديد يثير خوف الكاتب من التراجع عن الدور التنويري والدفاع عن مورثونا الحضاري  أمام هجمات الظلام، ولا يكيل التهم لأي مؤسسة فلسطينية بل يدفع للصمود والمثابرة وللمحافظة على التعددية وإبراز الفرح كما التضحية في حياة الفلسطينيين.

بأمل ان يكون هذا التوضيح أو التنويه كافيا لعدم حرف الهدف من المقال ذاته.