يوسف زيدان… من الأقصى لصبرا وشاتيلا… تشكيك أم تحريف؟

بقلم: علي الصالح

لم تكن قدسية القدس أو قدسية المسجد الاقصى هما المستهدفان في مزاعم الأديب والروائي المصري يوسف زيدان، وتفسيراته الجديدة لما جاء في سورة الإسراء "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا"، وقوله إن المسجـــد الأقصى الذي جاء ذكره في الآية الكريمة ليس هو أقصى القدس، بل هو مسجد أقصى آخر موجود على طريق مكة المكرمة والطائف.
ولا اعتقد أن همَٓ الدكتور زيدان كان تصحيح "خطأ تاريخي"، كما يزعم، قائم منذ حوالي ألف وخمسمئة عام ويقتنع به مئات الملايين من المسلمين. وأشك في ما إذا كان هدفه تغيير قناعات مئات الملايين من المسلمين. ولا أظن أن أحد اهداف الدكتور زيدان، كان "تنويريا" ووضع النقاط على الحروف. ولا أعتقد أن معظم المعلومات التي اتحفنا وأجاد بها علينا على مدى ساعتين على قناة "سي بي سي"، انطوت على شيء جديد أو كشفت سرا دفينا. فما قاله عن أن عبد الملك بن مروان هو من شيد المسجد الأقصى، معلومات قديمة يعرفها الصغير قبل الكبير والقاصي قبل الداني، ولا تحتاج لأبحاث معمقة في كتب التأريخ أو المخطوطات الإسلامية، وبالتأكيد لا تحتاج لمؤرخ واستاذ في الفلسفة لكشفها وتهويل الأمر لكي تقرع له الطبول وتفتح أمامه أبواب القنوات التلفزيونية، وتفرد له صفحات الصحف الإسرائيلية، على وجه الخصوص، كي يدلي بهذه الاسرار ،التي لم يتطرق إليها فيلسوف من قبله؟
ولا اعتقد أن إثارته لهذه القضية في هذا الوقت الحساس على صعيد القضية الفلسطينية، عبثية، بل غرضها إذا ما ربطنا بها تعليقاته السياسية السابقة لحديثه مع "سي بي سي" واللاحقة، غير بريء وتشتم منه رائحة تزكم الأنوف. ولكن وقبل أن نخوض في هذه الأجندة أو نسلط الأضواء على هذه الأغراض الخفية، لا بد أن نعود إلى المصادر التي استقى منها الباحث والفيلسوف، معلوماته وأسراره والردود عليها. هو يقول إن "ما يقال عن القدس ليس إلا خرافة.. وما فيش حاجة كده". فلا بيت مقدس ولا قدس شريف ولا إسراء ولا معراج من القدس. والإسراء جاء في ليلة كان فيها الرسول حيران فسرى ليلا من مكة إلى الطائف وكان في الطريق مسجدان احدهما الأدنى والثاني الأقصى، وهو المقصود في الآية الكريمة، وليس أقصى القدس الذي بناه عبدالملك بن مروان في سنة 62 هجرية وفي مرة أخرى قال 73 هجرية.
وبما أنني لست باحثا في التاريخ ولا عالما في الدين، فأترك مهمة الرد عليه لأهل المعرفة. وانتقي من بين الردود الكثيرة، ما قاله المفكر والكاتب الاسلامي المصري محمد عمارة: "إن ما جاء به زيدان مصدره وثيقة كتبها مؤسس ما تسمى رابطة الدفاع اليهودية دانييال بايبس، ونشرتها مجلة "الأهرام" في أبريل 1999. وتستند الوثيقة إلى أنه عندما نزلت الآية لم يكن هناك مسجد جامع اسمه الاقصى. وهذه الشبهة يقول عمارة مردها عدم الفهم لكلمة مسجد. الرسول أسري به من المسجد الحرام، لم يكن نائما ولا مقيما في المسجد الحرام، كان مقيما في مكة، أي اسري به من الحرم المكي إلى الحرم القدسي. القراءات لم تتحدث عن بناء أو جدار أو شبابيك اسمها المسجد الحرام، أو الاقصى، إنما تحدثت عن الاسراء من الحرم المكي لان كل مكة حرم، إلى الحرم القدسي في القدس.
وأما عن وجود الأقصى في مكان بين مكة والطائف في السعودية، يضيف عمارة أن هذا الكلام ردده في يوليو 2009، مردخاي كيدار، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، في محاضرة في الكنيست قال فيها "إن القدس يهودية وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة ليبنوها بمكة، فالمسجد الأقصى مكانه "الجعرانة" بين مكة والطائف". ويوضح عمارة أن كل من كتب عن الاسلام وتاريخ الاسلام يجمع على أن أول مسجد بني في الإسلام هو مسجد قباء على مشارف المدينة، وأن مسجد الجعرانة بناه الرسول وأحرم منه للعمرة عام 6 هـ أي بعد الإسراء ونزول آيته بنحو عشر سنوات. ولم يكن التشكيك في المسلمات الاسلامية المقدسية فقط سوى المدخل الذي اراده الدكتور الاديب من اجل التشكيك في مجمل قواعد واسس وركائز القضية الفلسطينية، لغرض في نفس يعقوب.. فبعد التشكيك في قدسية القدس فلن يكون هناك (في اعتقاده) محرمات أو خطوط حمراء في القضية الفلسطينية.
وهذا ما أكده زيدان في حديث مسجل لصحيفة "المشهد" الإلكترونية في ديسمبر 2014، وفي هذا الحديث يتحدث عن ضرورة توحيد الجبهة مع إسرائيل وتَطبيع العلاقات معها، وإيجاد حل عاجل للمسألة الفلسطينية، حتى لو كان على حساب التنازل عن الحق المقدس للمسلمين في القدس. وفي هذا التسجيل الذي لم ينفه، يتحدث زيدان عن خطته لتسريب تلك الأفكار في وسائل الإعلام لتتحول مع الوقت إلى قناعات راسخة في أذهان الناس، "لا تستطيع أن تقول ذلك للناس فجأة ومرة واحدة، بل عبر محاضرات على فترة من الزمن.. علشان أمشي مع الناس حبة حبة. ويقول "ده كان خلافي الأساسي مع نصر أبو زيد. كنت أقول له انت كل ما لقيت حاجة بالتراث تفجع فيها الناس.. مش كده، اشتغل بعقل ما تستخدمش الساطور.. استخدم مشرط على شان تعمل جراحة صح".
فبعد التشكيك بقدسية الأقصى وأهمية القدس بالنسبة للفلسطينيين والمسلمين في وقت تستعر فيه المعركة على القدس ومقدساتها التي يقدم فيها الشعب الفلسطيني قوافل الشهداء من خيرة شبابها، سدد نيرانه نحو القضية الفلسطينية بالتقليل من شأن النضال الفلسطيني ضد إسرائيل والاحتلال بالقول ردا على سؤال مذيع صحيفة "المشهد" عن المعركة الدائرة حول القدس "لا مبرر لتلك المعركة.. ونترك المسجد الاقصى لانه لا علاقة لنا به. ده انتم عايشين بالطراوة.. الصراع الفلسطيني، ده بكش".
ويقول إن "الحرب بيننا وبين اسرائيل لا معنى لها"، رغم انه لم ينف حق الفلسطينيين في فلسطين، الا أنه أكد على حق اليهود فيها. ويقول إن "التفكير بهذه الطريقة سيقودنا إلى السلام .. باقول للناس فكروا فيه".
فهو بما قال إنما يعطي الحق لليهود في فلسطين كما للفلسطينيين.. وهذا قول باطل ومرفوض. صحيح أن اليهود يسيطرون على كل فلسطين من نهرها إلى بحرها، ولكن ليس من منطلق الحق، بل الباطل والاحتلال والاستعمار الذي بدأ بفكر الحركة الصهيوني في القرن التاسع عشر وتوج بقرارات المؤتمر الصهيوني في بازل في عام 1897 وما تبعه طبعا من وعد بلفور البريطاني المشؤوم عام 1917 وقيام الكيان الصهيوني 1948.. على حساب نكبة الشعب الفلسطيني. وبذلك انما يحاول زعزعة الحق الفلسطيني في فلسطين. هذا فلسطينيا.
وعربيا يدعو زيدان، كما قال في حواره مع سي بي سي، إلى "أن تقوم مصر بإعادة تقييم علاقتها مع الدولة اليهودية"، وهي الدولة العربية الرئيسية الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بكيانها كدولة بعد أن اخذت الدول الغربية على عاتقها تفسيخ العلاقات العربية العربية واشغال شعوب المنطقة، أو على الاقل الدول التي كان يعول عليها، عن فلسطين، في معارك داخلية لن تتشافى من تبعياتها إن انتهت في المدى المنظور وهذا مستبعد، أخذا بالمعطيات الحالية.
اما إسلاميا فهو يحاول فك الارتباط بين العالم الاسلامي وفلسطين بالتشكيك في قدسية القدس، ممثلة بالمسجد الاقصى مسرى النبي وقبة الصخرة، التي عرج منها إلى السماء.
وبقدر ما كنا نقدر في الدكتور زيدان إبداعه الادبي والروائي، فإننا لا نقدر له اجتهاداته التاريخية إن كان بإمكاننا تسميتها اجتهادات. ولو أسقطنا تبرئته للحكومة الاسرائيلية من مسؤولية مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في لبنان في16 سبتمبر 1982، على ما قاله حول الإسراء والمعراج وبيت المقدس، أو كما يحلو له تسميته باسمه العبري "بيت هامقداش"، ويزعم بان التسمية اصلا عبرية وسرقها المسلمون، فإن ذلك يجعلنا نشكك في كل استنتاجات ابحاثه السابقة التي أوصلته إلى روايته الشهيرة "عزازيل"، واستنتاجات ابحاثه الحالية وربما المقبلة.
ونختم بما قاله زيدان لـ"سي بي سي" عن المسؤول عن مجزرة صبرا وشاتيلا: "بما أن المجزرة ارتكبها حزب الكتائب اللبناني المعروف بـ"الفلانج" وهو حزب مسيحي يميني، ليس هناك سبب لإلقاء اللوم على وزير "الدفاع" الاسرائيلي في حينها ارييل شارون".
وأتساءل: ألم يكن من مسؤولية الباحث والمؤرخ زيدان أن يتحمل أعباء البحث عن الاسباب التي دفعت حكومة مناحم بيغن إلى طرد شارون من منصبه، بعد أن حملته لجنة كاهن للتحقيق في المجزرة، كامل المسؤولية؟ فشارون وعبر رئيس اركانه رافئيل ايتان هو من خطط لمجرزة صبرا وشاتيلا، وهو من أشرف على تنفيذها وفرضت قواته طوقا محكماعلى المخيمين منعت وعلى مدى 48 ساعة الخروج من المخيمين أو الدخول اليهما، لتسهيل مهمة ذبح أكثر من ثلاثة الاف مدني فلسطيني على أيدي الكتائب رغم ضمانات حماية اللاجئين الفلسطينيين، التي قطعتها الحكومة الاسرائيلية على نفسها أمام امريكا التي رعت اتفاق خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت.
واخيرا.. من يبرئ شارون من دماء ضحايا صبرا وشاتيلا، يحتاج حقا للعودة إلى مقاعد الدراسة لتعلم ابجديات علم الابحاث.

٭علي الصالح

كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"