قد لا تكون قضية عمر النايف ومطالبة الكيان الصهيوني للحكومة البلغارية بتسليمه قد اخذت مساحة واسعة من الاهتمام الفلسطيني الشعبي او الرسمي، رغم اعتقادي ان هذه القضية يجب ان تأخذ اهتماما اوسع، لقانونية الطلب الصهيوني، واتفاقياته الموقعة مع بعض دول العالم، فقضية النايف الأن تظهر كأنها قضية "اجرامية" وليست قضية نضالية وطنية وسياسية لاحتلال اضطهد شعبا وطرده من ارضه ووطنه، حيث ما زالت قضية تسليم زياد ابو عين للكيان الصهيوني من قبل حكومة الادارة الامريكية ماثلة حتى يومنا هذا.
هذا الطلب يفتح جدلا حول طبيعة الاحتلال، وطبيعة النضال الفلسطيني، وطبيعة الاستيطان والمستوطنين وشرعيتهم، بالعلاقة مع الحكومة البلغارية، فهل عمر النايف ارتكب جريمة ام كان مناضلا؟ هل الحكومة البلغارية تعتبر الاراضي الفلسطينية اراضي صهيونية؟ هل الكيان الصهيوني هو كيان استيطاني احتلالي؟ هذا يفرض على الطرف الفلسطيني مراجعة الحكومة البلغارية لمعرفة مفاهيمها ومواقفها من طبيعة الصراع، لان الموافقة على تسليم النايف وقيام السلطات البلغارية بتسليمه يعني هو انكارها للوجود الفلسطيني واعتبار الارا ضي الفلسطينية "اسرائيلية"، وهذا يفرض على الجانب الفلسطيني الانتباه الى خطورة هذه الخطوة.
هناك العديد من الفلسطينين المطلوبين للكيان الصهيوني لاحقتهم ومارست بحقهم الاغتيال، ايضا هناك اخرين هربوا من السجون الصهيونية ويتواجدوا بالدول العربية او الدول الاجنبية، فنجاح الكيان الصهيوني بهذه الحالة ستتبعه محاولات اخرى ايضا، فالحركة الصهيونية لها نفوذ قوي وفاعل بالعديد من دول العالم، تعمل على سن قوانين تصب بجوهر البرنامج الصهيوني واهدافه، مستفيده من نفوذها بالعديد من الدول.
الحركة الصهيونية بالبرازيل لها مؤسسة قانونية تضم محامين وقضاة صهاينة، تعمل على دراسة القوانين المحلية وتقديم الاستشارت الضرورية، لتخدم التوجهات السياسية للحركة الصهيونية بالقضايا الخاصة التي تراها تصب بمصلحتها واهدافها العدوانية، قوانين تدافع وتحمي الممارسات للكيان الصهيوني وجرائمة، وعلى سبيل المثال تعمل على تثبيت قانون الحقد والكراهية لمواجهة الانتقادات والادانات لسياسة الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، كذلك قانون انكار المحرقة، كما كان لها دورا لتثبيت قانون مكافحة الارهاب الذي تن التصويت عليه بالبرلمان البرازيلي، وينشط بهذا الجانب القانوني الصهيوني البرازيلي فيرناندو نوتنبيرج.
لا يقتصر النشاط الصهيوني على البرازيل، وانما يمتد ويتوسع ليصل دولا اخرى بقارة امريكا اللاتينية واخرى بالقارات الخمس، فساحة المعركة غير مقتصرة فقط على الاراضي الفلسطينية، فكما الطرف الفلسطيني يسعى الى حشد الرأي العام العالمي من اجل مناصرة القضية الفلسطينية ونضال شعبنا العادل، تسعى الحركة الصهيونية على تثبيت قوانين دولية من اجل ملاحقة ليس فقط الفلسطيني، وانما كل من يقف الى جانبه ويستنكر الممارسات والاجراءات والجرائم الصهيونية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وما جرى ببلغاريا بقضية النايف لم تأتي عن طريق الصدفة اطلاقا، وانما هي من ضمن توجه صهيوني لاستنزاف الحالة الفلسطينية بشقيها الرسمي والشعبي.
تعمل الحركة الصهيونية على توفير الظروف المؤاتية والمناسبة لاقرار قوانين تصب باهدافها وتخدم بمجملها سياسة الاجرام لدولة الاحتلال، وتستغل كل الاحداث مجندة كل طاقاتها وقدراتها وامكانياتها المادية والبشرية من اجل تشويه كل حملات التضامن والمواقف الدولية من الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني، وإن التصدي للحركة الصهيونية من الجانب القانوني ايضا هي مهمة فلسطينية يتحمل مسؤوليتها اولا الجانب الرسمي الفلسطيني، كذلك تنظيم القدرات والامكانيات المادية والبشرية الفلسطينية بدول الشتات من اجل تنظيمها للتصدي للمحاولات الصهيونية من خلال التأكيد على حق الشعب الفلسطيني بالنضال من اجل استرداد حقوقه الشرعية والوطنية، ومن اجل التأكيد على حق التجمعات الفلسطينية وكل القوى المناصرة عن التعبير عن وجهة نظرها من جرائم هذا الكيان وتاييدها للنضال الفلسطيني بكل اشكاله، وإلا قضية عمر النايف ستكون مستقبلا قضايا كثيرة تستنزف كافة الطاقات الفلسطينية الرسمية والشعبية وتترك اثارا سلبية على العملية النضالية الفلسطينية والحشد الجماهيري، فالامكانيات والاستعدادت عند الجماهير متوفرة فقط ما ينقصها هو الارادة والتنظيم.
جادالله صفا – البرازيل
09 كانون الثاني 2016