احترت في التعليق على مبادرة المعبر الفصائلية التي تأتي تحت مبدأ "دوخيني يا لمونة"، أو لعبة "سيب وأنا أسيب"، وقلت يجب أن أستمع لرأي الناس في الأماكن التي لا تصل لها الكاميرات، فوجدت المواطنين في وادي، والفصائل والحكومة والتسويق الرديء للعمل الوطني في وادي أخر سحيق، لا مخرج منه الا برحيل الطبقة السياسية المتأكلة والمصنوعة من عجينة زمن أوسلو في السلطة والمعارضة.
ومن رأس الكلام تعد المبادرة في بنودها الفصائلية عملية ارضاء للذئب والراعي، ارضاء حكومة حماس بمقدار ارضاء حكومة الرئيس عباس، ويفسرها كل طرف حسب أهدافه ولصالح حسابه ضمن عقلية الانقسام السائدة، وبالتأكيد كان الرئيس أبو مازن أذكى في القبول الفوري، حسب ما أوضح في خطابه الأخير عبر التأكيد أن موافقة الحكومة تمت بإذنه رغم تحفظاته، فالسلطة فقدت غزة وتريد موطئ قدم ولو بشكل تدريجي.
أما حركة حماس اتضح جليا من ترددها أنها لا تريد تفكيك أزمات غزة بشكل منفصل، فهي تريد أن تتحمل الحكومة مسؤولية قطاع غزة وموظفيه بالجملة رغم انها تعرف استحالة ذلك، وفي عقلها السياسي تتمنى أن تشاركها الفصائل "شكليا" في ادارة غزة بمعزل عن السلطة وحكومتها، واعلان الحركة الرد على المقترح بمقترحين أحدهما "ادارة فصائلية للمعبر" يكشف ما في قلبها وهي تُخرج دورات جديدة من قوات الأمن الوطني بقيادة اللواء الاسير المحرر توفيق أبو نعيم، بانتظار أن تبتلع الانتفاضة الرئيس عباس خاصة وان اقصى ما تمنحه له اسرائيل وامريكا هو مدينة "روابي 2"، وتنتظر تحول الانتفاضة من فردية الى مسلحة حينها سعادة حماس ستكون غامرة في ظل الاعلان المتواصل عن كشف خلايا عسكرية لها تحت الترتيب، وفي هذه الحالة ستضمن الحركة بقاء غزة قلعة لها مع استديو تلفزيوني بصور الانتفاضة ومذيعين بالكوفيات يهاجمون السلطة والأجهزة الأمنية أكثر من مهاجمة الاحتلال.
حكومة أبو مازن قبلت بمبادرة الفصائل ضمن الامساك بأي خيط للسلطة بما ان المبادرة تنص على مرجعية الحكومة التامة لإدارة المعبر ومديره التوافقي، ومقابل ذلك لا مانع من ابتلاع طعم 200 موظف من منظورها، لذلك فرت حماس لفكرة "ادارة فصائلية" بدلا من "ادارة حكومية".
مبادرة فاشلة؟
- فكرة تقسيم الأزمات لم ولن تنجح لأن الاطار العام تأمري بين الطرفين، ومن لم يستطع الحل في كليات الأمور لن ينجح في حلحلة الجزئيات المترابطة والمعقدة.
- المبادرة تدلل على تشظي الفصائل بين ولاءات أو ارضاء طرف على حساب طرف دون خسارة الطرف الأخر، فالفصائل جزء من الأزمة منذ بدايتها بالتبعية والتذبذب والاكتفاء بالعضلات الاعلامية في التعامل مع نكبة الانقسام.
- المبادرة التي تفكر بحاجز لفتح وحاجز لحماس على المعبر فقدت المنطق الأمني والسياسي وغاب عن بالها تماما "افرازات بيئة الانقسام"، التي ستفجر الأزمة بشكل أشد من السابق، وكمثال على ذلك في حال سماح حرس الرئاسة بعودة شخص لا ترضى عنه حماس من الأشخاص الذي غادروا بعد سيطرتها على القطاع، هل سيعيده الحاجز الثاني ويقيم المواطن خيمة بين حاجز الرئاسة وحاجز حماس.
- حل مشكلة المعبر دون تفكيك ألغام المصالحة سيجعل مصير قوات حرس الرئاسة كالمراقبين الاوربيين سابقا لكن بمبررات فلسطينية.
- فتح المعبر التجاري سيسيل لعاب أصحاب ازمات المال، وسيحدث جدل واسع ويومي على أوجه صرف المال، بما ان المنطق محاصصة محض.
استمرار الأزمة و تطورها حتمي
من الواضح أن عين الرئيس أبو مازن على قطاع غزة تعود لنيته تعويض أموال المقاصة الاسرائيلية في حال نفذ قرارات المجلس الوطني بأموال المقاصة المصرية، ونيته العودة لحكم غزة من الخارج لإدراكه أن اسرائيل متمسكة بـعقيدة "يهودا والسامرة" أكثر من أي وقت مضى، وان المسموح له أو من يرثه صلاحيات "روابط القرى" فقط، و أي عملية عسكرية قد تسمح بتدشين عملية سور واقي جديدة، رغم مراهنة السلطة على الترتيبات الاقليمية الحاصلة لصالح استقرار ما في القضية الفلسطينية بلمسة روسية – فرنسية وعدم ممانعة أمريكية.
فيما لا تزال تراهن حركة حماس على الاقليم والمفاوضات التركية بعدما أصبح سقف قطاع غزة اقتصادي فقط، والحصول على تسهيلات برا او بحرا، كما أن الحركة ترى انضمام السلطة للمحور السعودي قد يكون فرصة لترميم العلاقة مع ايران لحين تحقيق أنقرة انفراجة ما، كما يعتقد عقل حركة حماس الإخواني أن استمرار الرئيس المصري الحالي في الحكم محفوف بالمخاطر، وقبل الأسباب الماضية من الصعب جدا نزع الحكم من يد حركة حماس ورجالها والطبقة الحاكمة الواسعة التي أنشأتها المؤسسات الأمنية والاقتصادية بعد 8 سنوات من الحكم، ما دام القرار الدولي لا يمانع من استمرار حكم حماس ما دام في قبضة المخطط الاسرائيلي، فلماذا تترك الحركة غزة حاليا.
كان من الأولى أن تطالب الفصائل بتسريع تشكيل حكومة وحدة وطنية فصائلية تكون مسؤولة ومتهمة بدلا من الترقيع الحكومي بين حكومتين كاملتين بمعيار جمع الضرائب، أو تشكيل ائتلاف ضاغط على السلطة وحماس من اجل شعب يتعرض لكل أشكال التنكيل.
الأيام القادمة ستشهد غرق في التفاصيل، وفوضى اعلامية وتصريحات نتنة واتهامات متبادلة وكمائن سياسية تحت عنوان معبر رفح، وستتجلى عورة الساسة الفلسطينيين وهم يمنحون الأخر كل المبررات للتضييق علينا وسيبقى المعبر مغلقا ككل قضايا الوطن المغلقة في وجه العقل والمصلحة.
--
عامر أبو شباب
صحفي
قطاع غزة- فلسطين