في غزة : زرقاء اليمامة بين الحكمة والتيه

بقلم: حسن عطا الرضيع

اليوم وفي أحد شوارع غزة الرئيسة ؛ فتاة ذات حُسن وجمال وأثناء ذهابها لأحد المكتبات المهمة في غزة لشراء أدوات الرسم ومستلزماته , وريشة صغيرة لعمل لوحة فنية للتعبير عن الكيفية التي يتم فيها امتصاص دماء الفقراء وسرقة رغيف الخبز المتهالك منهم, وكيف يتسلق الأغنياء ورؤوس الأموال لظهور ورقاب الفقراء بشكل ناعم عبر عمليات التشويه في أنماط الاستهلاك أو بشكل عنيف عبر فرض الحكومة للضرائب وتحالفها اللا مشروع مع رأس المال أو ما يُعرف بالزواج الكاثوليكي ( زواج المتعة بين المال والنفوذ ), هذا الزواج الأكثر انتشاراً في دول العالم الثالث , فتاة تريد من استخدام تلك الريشة البحث بعمق في مسببات الأزمات المالية و الاقتصادية التي تُصيب العديد من المجتمعات, وكذلك التأكيد على فرضية رئيسية وهي " أنه ما اغتني غني إلا على رقاب فقير" وفرضية أخرى أنه لولا الفقراء ما وُجد الأغنياء , ولولا الفقراء لما وُجد أصحاب الياقات البيضاء ومدراء المؤسسات الإنسانية والذين انتقلوا من حياة التقشف والفقر إلى حياة راغدة وباتوا من أقطاب البرجوازية الكبيرة والمتوسطة غالباً, ولو لا وجود غنيمة ومكاسب وثروات في الأراضي الفلسطينية لما حدث تقاسم لتلك الثروات والتي كانت سببا لحدوث انقسام فلسطيني- فلسطيني حاد استمر ل 9 أعوام, انقساما بات يُدار بشكل فائق الدقة والاحتراف , مدراء هم الأقدر على الاستمرار في أعقد عمليات الإدارة , تعقيدات تزداد يوما بعد يوم , ألا تُعد أزمة الكهرباء ومعبر رفح وسوق العمل في قطاع غزة نموذج حي لتلك التعقيدات التي أوجدها مدراء إدارة الانقسام .
ومن غرائب تلك الإدارة استمرار أزمة الكهرباء للعام التاسع على التوالي والأشد هو عام 2015 إذ أن ساعات وصل الكهرباء في العام بمجمله لم يزيد عن 3000 ساعة , أي أن قرابة 40% من ساعات اليوم في غزة بلا كهرباء, تلك الأزمة المأساوية في غزة تؤكد فشل اقتصاد السوق والسياسات النيو ليبرالية المُتبعة فلسطينيا في مدى تحقيقها لمستويات معيشة مناسبة لشعب لا زال تحت الاحتلال وسياساته التدميرية, وعليه فإن تلك السياسات لا زالت غير ملائمة للفلسطينيين , والكهرباء والاتصالات نماذج لذلك, سعر الكيلو واط من الكهرباء في قطاع غزة يفوق السعر في إسرائيل والضفة الغربية (متوسط دخل الفرد في إسرائيل = 47 ضعف الفرد في غزة ), فمثلا في الضفة الغربية سعر الكيلو واط 35 أغورة وفي إسرائيل 47 أغورة , وفي غزة يتراوح من 50-60 أغورة, في حين أن محطة التوليد هي فلسطينية ولكن جشع الرأسمالية وتدخلات السياسة جعلت من تلك المحطة الوطنية عبئا وسيفاً يلاحق آهات وعذابات الغزيين, عندما تم إنشاء تلك المحطة كان هناك اعتقاد أنها ستكون رافد ومعلماً فلسطينيا ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن, هناك أزمة فعلية وهناك فاتورة شبه ثابتة , وقد يتساءل الكثيرون لماذا فاتورة الكهرباء شهرياً شبه ثابتة؛ أي أن ساعات وصل أل 12 ساعة تقترب من فاتورة أل 8 ساعات وصل وكذلك لا تختلف كثيراً عن فاتورة 6 ساعات وصل للكهرباء, إن ذلك يحتاج لرقابة فاعلة على الشركة وخصوصا فيما يتعلق بالتحكم في الوات من قبل الشركة والتي ربما تقوم برفع الوات والعداد شغال على الوات , إحصائيا هناك تفسير واحد وهو أنه عندما يتم وصل الكهرباء تقوم الشركة بالتحكم ورفع الوات وهذا يجعل العداد يدور بصورة جنونية حتى وان تم تشغيل لامبة واحدة.
بعد 20 عام تقريبا من إنشاء المحطة الوطنية والتي من المفترض أن تعمل على الغاز الطبيعي منذ 13 عام , إلا أن ظروف الانتفاضة والانقسام ومحتكري الشركة لا زالوا يفضلوا هذا الوضع لأن سعر كيلو الواط من الكهرباء في حال التوليد هو أعلى بكثير من الأسعار في حال استخدام الغاز من جهة وفي حال استيراد الكهرباء من مصر وإسرائيل من جهة أخرى.
الأزمة الثانية التي أربكت الأسر في قطاع غزة هي أزمة معبر رفح الأكثر تأثيراُ بعد أزمة الكهرباء إذ أن هناك قرابة 30 ألف شخص بحاجة عاجلة للسفر فهم يصنفون ضمن الحالات الانسانية منهم الطلبة الذين ينتظرون مقاعدهم الدراسية , ومنهم المرضى وأصحاب الإقامات, رغم تلك المعاناة فعدد ساعات فتح المعبر خلال العام 2015 لم تتجاوز أل 120 ساعة أي بواقع 24 دقيقة في اليوم الواحد وليس أربع وعشرون ساعة وهنا صورة مُصغرة من صور المعاناة و هي استبدال الساعة بالدقيقة , بدلا من 24 ساعة يوميا في الأوضاع المستقرة وبدون انقسام الفلسطينيين أنفسهم, هي الآن 24 دقيقة يومياً في ظل استمرار تعقيدات إدارة الانقسام للعام التاسع.
المفاجأة تكمن في أن ما يدور في وجدان تلك الفتاة الجميلة قد حدث صدفة عندما رأت أحد الشخصيات السياسية الفلسطينية مارة بالشارع, أوقفت موكبه لتسأله سؤال يراود الكثيرون في غزة وهو من هو السبب في معاناة أهالي غزة : فرد عليها وبكل هدوء السبب الأول الاحتلال الإسرائيلي والسبب الثاني هو من يمتلك القرار الاقتصادي وهم رؤوس الأموال وكأنه يريد أن يقول أن سبب الأزمات الاقتصادية والمعيشية يكمن في الاحتلال الإسرائيلي وفي تحالف المال بالسلطة أي الزواج الكاثوليكي والذي يعتبر أحد الأسباب في العديد من الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الشعوب النامية ومنها الأراضي الفلسطينية : ردت عليه بسؤال يعني رؤوس الأموال حققوا ثروات وثراء على حساب ورقاب الفقراء الغلابة , هنا انتهت المقابلة وانتهي حوار فتاة مع شخصية سياسية فلسطينية ذات وزن وتأثير محلياً.
بعد ذلك تعهدت تلك الزرقاء بإبراز معاناة أهالي غزة والضفة وشعوب العالم الثالث عبر عدة لوحات فنية تدور في تفاصيل تلك المقابلة إذ ستضع فرضيات رئيسة وهي أن رؤوس الأموال أي ديكتاتورية رأس المال هي المسيطرة على واقع الاقتصاد وأن الزواج الكاثوليكي في الاقتصاديات النامية سببا من أسباب تفاقم الفقر وارتفاع نسبه من جهة وارتفاع وتيرة اللا عدالة في توزيع الدخل والثروة وسيادة حالة من اللا إنسانية مع مرور الوقت ومع تفاقم الفساد وتفشيه بشكل كبير ليضغط أكثر على معدلات النمو الاقتصادي والضغط عليه للانخفاض والتسبب في مشكلات أخرى أهمها الكساد حيث تقول الحكمة أن وراء كل كساد اقتصادي وأخلاقي وهدر للمال العام فساد , وتحالف السلطة بالمال أحد أبرز مقدمات الفساد الاقتصادي والمجتمعي , وأن تلك الرساميل الرأسمالية بإمكانها التحكم في القرار السياسي من جهة والتحكم في رغيف الخبز لأكثر من مليار شخص عبر العالم الأكثر فقراً.
كذلك هم من يدير الحكومات وينهب الثروات ويضع الشعوب ضحية لقرارات أعضاء مجالس إدارة عشرات الشركات العالمية ومنها ما يديرها رأس المال اليهودي الأكثر نفوذاً وقوة وهيمنة.

 

بقلم/ حسن عطا الرضيع
الباحث الاقتصادي_غزة