يبدو اننا بحالة مخاض عسير ....لا نتعلم من تجاربنا ....ولا نستخلص العبر والدروس ...ولا نتوقف لإحداث التقييمات والمراجعات ...ولا نكترث بمن يظلمون ...ويجوعون ...ويحرمون ...ممن هم عاطلون ....لا دخل لهم ولا مأوي ....من يفقدون أبسط سبل الحياة ....ماضون ومنغمسون بتعميق أزماتنا ....وانقسامنا ...وكأنه قد كتب علينا أن نعيش جلد الذات ....بسادية غير مفهومة ....وبإنتاج الازمات بطريقة غير معلومة ....لكن المشهد وتفاصيله وعناوينه انما يؤكد ....أن هناك أزمة عميقة في فصائلنا وقيادتنا ....فنحن عبر مسيرتنا السياسية ...وعلاقاتنا الفصائلية ...وعبر عقود طويلة انتابها العديد من الخلافات والتباين والاجتهادات بوجهات النظر ....وأخذت المواقف الفصائلية مناحي عديدة ...لكنها بالأغلب الاعم كانت خلافات داخل الاطر الشرعية ....ومن حاول الخروج في لحظات الغضب عن اطار تلك المؤسسات الشرعية ....عاد اليها بعد أن شعر بالندم وخطأ القرار .
لسنا أصحاب تجربة حديثة ....بل نحن بمجموعنا الفصائلي والشعبي والمؤسساتي اكتسبنا تجربة كبيرة لها دلالاتها ومؤشراتها ...وكما ولها عناوينها وأجيالها .
فمن كان عمره عشر سنوات ....مع لحظة الانقسام أصبح شابا ...ومن كان طفلا مولودا أصبح فتي ويتساءل ...ومن كان شابا أصبح رجلا واعيا ومدركا ..أجيال متتابعة ....والعمر يمتد بسنواته ...ولكل مرحلة مشاهدها وتفاصيلها ...خلاصتها ....حتي وصلنا الي ما نحن عليه من حالة بائسة يائسة ...حالة سوداء ....فيها من النقاط البيضاء ..لكنها تغطي بسواد الصورة ..بفعل أفعال لا تعبر عنا ...وفكر لا يمت بصله بنا ...وتصرفات ومواقف يشوبها الغموض وعدم الادراك ...وحتي عدم الفهم لما يجري ويتم ...فكر عائق لكل تقدم ووضوح في صورة المشهد لنظرته الاحادية ....وعدم قدرته علي رؤية كامل الصورة ....ولا يريد ان يسمع حتي أنه يزعجه أن يسمع ....لا يريد الا ان يستمع لنفسه... وأن يخاطب أحبابه ...وأن يصفق له مؤيديه ...خيال ووهم ....لمن يحبون الاستماع للإطراء ....والتفخيم ....والتبجيل ..والثناء ..في ظل صورة تلتف من حولنا ..يسودها السواد ...ويدخل بتفاصيلها ....كم هائل من العناء والهموم والبؤس .
حالات انسانية تقشعر لها الابدان ....من صدق الصورة ...والرواية ..من صدق الكلمات التي تخرج من أفواه المعذبين ...المتألمين ....الذين ينظرون الي من حولهم ليجدوا قادتهم يتجادلون ...ويتصارعون ....ويتذاكون علي بعضهم البعض ...وكأنهم يلعبون لعبة من يكسب ....متجاهلين.... أنهم بداخل ملعب الوطن وليس هناك امكانية ليكسب فصيل علي فصيل ..ولا قائد علي قائد ..فإما أن نكسب ويصفق لنا الجمهور ....واما أن نخسر ويبتعد الجمهور عنا ....ونشعر بالعزلة ....وما يمكن أن يهدده هذا الحال ( لا سمح الله ) الي ضياع المشروع الوطني ...وضياع ارادة ومعنويات من يمتلكون العطاء والتضحية بالدم والارواح ...ليعبدوا طريق الحرية .
حديث الناس يجب ان تستمع الفصائل له بعناية فائقة ....وقدرة عالية على التحليل ...واستعداد نفسي لتقبل الكم الكبير من الانتقادات التي تطال الجميع ودون استثناء ...فالمواطن وقد وصل الي مرحلة القول ...بكفي ... حقا بكفي !!! ....
كلمة واحدة تتردد ..ويعلو صوت الناس بها ...لأنه لم يعد للكلام فائدة ...ولم يعد للإطالة من عائد ...ولم يعد لتحميل طرف مسئولية ما اُلت اليه الامور دون الاطراف الأخرى.. ادني فائدة .
ما نحن فيه يتحمل مسئوليته الجميع منا ....وبدرجات متفاوتة ...لكنها المسئولية التي لا يستطيع أحد التهرب منها ....ومن دفع استحقاقاتها .
الناس تتحدث بكل محبة وأمل واخلاص ...لأن الصورة لم تعد تحتمل ...والمشهد وتفاصيله وعناوينه لم يعد بمقدور المواطن تحمله .
بكفي .....لمن يريد ان يبقي علي احترام الناس ومحبتهم ...بكفي ....لمن يريد ان يجد له موقعا في قلوب الناس ....بكفي ....لمن يمتلك الحد الأدنى علي استقراء ما هو قادم ....بكفي ...رحمة بأنفسنا ...وبشعبنا ...بحالنا... وأجيالنا ...وشبابنا ...بكفي ...رحمة بأطفالنا وأمهاتنا وابائنا وأجدادنا .
محبة خالصة لفصائلنا والتي نعتبرها قدوتنا ....والنموذج الأعلى الذي نحتذي به ونسير علي هداه....عبر مسيرة نضال وكفاح طويل تعمد بدماء الشهداء ...وانين الجرحى ...وعذابات الاسري ....بكفي ....رحمة بمن يستحقون الرحمة والرعاية ....من دمرت منازلهم ..ومن لا زالوا بالعراء دون مأوي ...بكفي ...رحمة بشبابنا ..فلذات اكبادنا الذين لا زالوا عاطلين عن العمل وغير قادرين علي تلبية احتياجاتهم .....والتمهيد لطريق مستقبلهم .
فصائلنا ...وقد تولدت بفعل انتاج وطني خالص من خيرة ابناء هذا الوطن ...من ابناء الاباء والامهات ...الذين لا زالوا يعانون ويمرضون ...يجوعون ويتألمون ...ويستصرخون ضمائر كل من يمتلك التخفيف من معاناتهم ومن حصارهم ..ومن ظروفهم المعيشية السيئة ..كيف لهؤلاء الابناء ....هؤلاء القادة ان يستوعبوا ....او يتقبلوا عذاب ابائهم وامهاتهم ...عذاب ابنائهم واقاربهم ....كيف لنا ان نقبل لأنفسنا بأن نعذب انفسنا ...وبأيدينا ....ألا يكفي من يتأمرون علينا ...ومن يقتلوننا ...ويحاصروننا ....ويعتقلون ابنائنا ....ويدنسون مقدساتنا ...ألا يكفي هذا العدو المجرم الذي لا زال يدوس ويتوغل بأرضنا ...ويسلب حقوقنا ومواردنا ...الا يكفي هذا العدو المجرم وممارساته التعسفية ....أليس هذا دافعا للمزيد من المسئولية الوطنية والتاريخية للخروج من هذه الحالة المأساوية التي وصلنا اليها .
حالة لا تستوعب ...ومرفوضة ...ومستهجنة ...ونندهش من بقائها ....حتي أصبح الصبر يعجز عن صبرنا ....ولا نمتلك الا القول بكلمة واحدة ......بكل ما تحمله الكلمة من معني ...بكفي !!
الكاتب : وفيق زنداح