عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة وطليعة فتح قد حددت موقفها كحركة تحرر من التباين السياسي والامني في المنظومة العربية بل انحازت لحركات التحرر العربية والعالمية وكان لها العلاقات المميزة مع دول الخليج فغالبية القيادة التاريخية كانت تعمل في تلك الدول ، وان كانت نكسة 67 قد اعطت بعدا ثوريا للموقف الرسمي العربي والداعم للثورة الفلسطينية فان دول الخليج قد اعطت الكثير للثورة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وكما كانت دول الجوار لفلسطين المحتلة هي المخزون الجغرافي لنقطة التماس مع الاحتلال وخاصة الساحة اللبنانية وباقي الدول فتحت مجال الدعم اللوجستي من معسكرات وتدريب لرجال المقاومة.
ما يميز فصائل المقاومة الفلسطينية انها تتشكل من فصائل معتدلة ومتطرفة ما بين اليمين واليسار وهذه ميزة لم تستغل بالشكل المطلوب لاقامة علاقات وطيدة مع كل الانظمة بتبايناتها السياسية ، اوصت حركة فتح في ادبياتها بانها لا تتدخل في شأن الدول العربية مالم تتدخل في شأنها الداخلي ...!!! ولكن لعدم وجود قاعدة ارتكاز للشعب الفلسطيني وقوات الثورة وخاصة بعد الخروج من لبنان ولعدم وجود تمويل وطني لتلك الفصائل وانهيار الاتحاد السوفيتي اعتقلت منظمة التحرير ليتم احتوائها بشكل فعلي في بوتقة البرنامج العربي الذي شهد تحولا سياسيا بعد اتفاقية كامب ديفيد وبالتالي لم يكن قرار منظمة التحرير يمتلك جزء من الحرية المطلقة للخروج عن هذا البرنامج الذي بدأ بخطوات ملموسة لاتفاقيات سياسية وامنية واقتصادية مع الاحتلال مع تدني البرنامج العربي المتنازل عن فلسطين التاريخية وليدخل المنظور السياسي العربي في نطاق 242 واهمال كل القرارات الدولية التي اقرت من الجمعية العامة بخصوص الحقوق التاريخية على الارض الفلسطينية وتم اعتماد قرار مجلس الامن 242و338 وما لحقها من قرارات داعمة لهذين القرارين.
قد احسنت منظمة التحرير في علاقاتها في فترة السبعينات مع الكتلة الشرقية بل كانت هناك تفاهمات مع بعض الدول الغربية في طليعتها فرنسا والمانيا بالاضافة لروسيا والصين والهند ودعمت ووثقت علاقتها مع الدول العربية باختلاف هوية الانظمة ، التغير في البرنامج السياسي العربي قد اثر تأثيرا مباشرا على قيادة منظمة التحرير ونوعية واتجاهها الفكري والسياسي ودخلت الى اوسلو بدعم عربي ما عدا الجزائر وسوريا وليبيا وايران .
عندما انتصرت الثورة الايرانية على شاه ايران في عام 79 ورفع علم فلسطين على السفارة الاسرائيلية في عهد الشاه كانت ايران بثورتها مكسب للثورة الفلسطينية وسريعا ما فترت العلاقة مع منظمة التحرير وبدأت ايران بدعم وتعزيز حضور الاسلام السياسي في فلسطين لسببين السبب الاول ان منظمة التحرير لم تقف موقفا حازما بالنسبة لكامب ديفيد وبالتالي اخذت بعض الفصائل موقفا خارج منظمة التحرير وبعضها اتى في حالة انشقاق واقامت في دمشق لوقتنا الحالي بالاضافة للقيادة العامة لاحمد جبريل والسبب الثاني ان فتح ومنظمة التحرير وقفت موقفا مساندا للعراق في الحرب العراقية الايرانية التي اتت على قاعدة التخوف الامريكي من ايران وتحكمها بمضيق هرمز وما استشعربه الزعيم صدام حسين من خطر داهم على الدولة الوطنية من تدخل ايراني لدعم العراقيين في جنوب العراق.
بعد سنوات قلائل من انطلاقة الثورة فرض على منظمة التحرير كما يفرض الان على الجهاد الاسلامي وحماس مسالك سياسية محددة ان لم تكن معنا فانت ضدنا سواء مع ايران او المملكة السعودية وخاص بازمة اليمن وسوريا واعدام الشيخ النمر حيث تطالب كلا من ايران والسعودية موقفا واضحتا من تلك الفصائل لاستمرارية الدعم المالي والسياسي ،فعندما وقف ابو عمار مع صدام حسين في حرب الخليج الثانية دفعت منظمة التحرير الثمن وخاصة في ازمة احتلال الكويت بل دفع الشعب الفلسطيني الثمن .
نقطة الضعف عند الفلسطينيين انهم لم يمتلكوا رأس مال وطني او قطعة ارض لتبني منظمة التحرير قرارا مستقلا وما زاتلت السلطة والفصائل الاخرى بما فيها فصائل الاسلام السياسي تقع في مأزق بين التجاذبات الاقليمية وفي كل الاحوال الانحياز لهذا الطرف او ذاك ليس مكسبا بل خسارة محققة ومفروضة . ولان منظور السياسة الاقليمية للقوى الاقليمية لا يبحث في قضية تحرير فلسطين او اقامة الدولة على ما تبقى من ارض الوطن بقدر ما هو يستنزف الموقف الفلسطيني بكل قواه في معارك ومواقف لاناقة له فيها ولا بعير.
سميح خلف