عندما يغادرنا مناضل فلسطيني ، بعد حياة واسعة حافلة وزاخرة بالعطاء والنضال الوطني والسياسي ، لعب دوراً هاماً وبارزاً بمسيرة الثورة الفلسطينية من الاردن الى لبنان ، والدفاع عن القضية والحقوق الفلسطينية ، حيث قضى حياته في مخيمات الشتات ، وظلت فلسطين بوصلته التي حملها وجعاً وألماً ونضالاً ، انه المناضل اسماعيل كنعان ،الذي كان يتحدث بنبرة قومية وثورية وروح كفاحية ، جاءت تعبيراً عن جراحات الوطن وعذابات الشعب وأحلام الفلسطينيين بالعودة والتحرير والاستقلال .
وعندما نقف امام الدور الذي قام به من خلال نضاله والعمليات التي قام بها ضد العدو الصهيوني واعتقل في احد الدوريات وزج به مع رفاقه في اروقة وغياهب السجن ، الذي لم ينل من عزيمته ، وبعد الخروج من الاعتقال كرس حياته وجهوده في النضال فلم يتعب او يشكو ، حيث امتاز بوضوح الرؤية السياسية ، وصلابة المواقف القومية والوطنية والعروبية ، ودفاعه المبدئي عن قضية شعبه الفلسطيني العادلة .
اسماعيل كنعان مناضل عريق ، امتلك شجاعة نادرة ، وستظل سيرته النضاليه تضيء مسيرة أجيال قادمة ، قدم الكثير للقضية الفلسطينية ولشعبه التواق للحرية والعودة والاستقلال والغد المشرق ، ويكفيه فخراً انه من مخيم البص ومخيمات اللجوء والشتات ، مخيمات الصمود والكرامة ، مخيمات أجيال الحاضر والمستقبل.
ومن هنا نقول ان ابو شريف المناضل والقائد مثل كثيرين من أبناء جيله الفلسطينيين، عاش يتطلع إلى مستقبل مختلف، أراد حياة عادية لأهله، حياة يعيشون فيها بأمان واستقرار، رغم انه في الفترة الاخيرة فضل دوماً أن يحتفظ برأيه بعيدا عن أية قيود تنظيمية وحزبية يمكن أن تضعه في افق ضيق، اختلف البعض معه ، ولكن كل من عرفوه يعلمون انه كان يتصف بالتواضع والبساطة ولكن أيضاً بالعمق والمسؤولية والحرص على الوحدة الوطنية ، ابتعد عن الاستعلاء على البسطاء والعاديين بسبب من تكوينه البسيط والواثق، وبسبب التزامه بفكره الذي ظل يؤمن به طيلة عمره، هي أن الثورة مصلحة وضرورة لشعب بأكمله، وهي لا تحتمل فكرة احتكارها من فئة بعينها، حتى ولو كانت فئة مثقفة، يمتلك أصحابها رؤية أوضح للأحداث واستشرافا أكبر للمستقبل، لعل هذا ما يفسر اتساع دائرة أصدقائه في فصائل الثورة الفلسطينية وخارجها، ورغم تنوع المواقع والانتماءات الاجتماعية والسياسية أيضاً.
أهم ما ميز المناضل اسماعيل كنعان ذلك الجانب الإنساني الذي جعله باستمرار مشدوداً بروابط قوية إلى الناس، فلم ينظر إليهم يوما الا واحدا منهم، لانه كان يؤمن بأن الثورة ممارسة وليست مجرد كلمات ،هكذا يرحل المناضلون الذين كان لهم دور نضالي، عملاً ونهجاً وممارسة حيث كان لهم هدف واضح، ويرتبط برؤية واضحة، فهو من مدرسة حركة فتح، وهو كان من الفدائيين الذين خاضوا معارك الدفاع عن الثورة في الاردن ولبنان وابدعوا حتى شهد العالم كله أن الفلسطيني لا يستسلم، ولا يرتهن للقيود.
ومن هذا الموقع اقول صحيح أن المرض بدأ ينتصر على الراحل اسماعيل كنعان، حيث أغمض عينيه وانتفض، لانه شاء القدر، بأن يتوقف قلب هذا الإنسان ، ولكن كان حقا كان محترفا في لمس أوجاع فلسطين، فعشقها ، لكنه لم يكن مريضا بل كان فدائيا صامدا، فبجانب الحس الإنساني الذي برع فيه لقد عُرف عنه كفاءته والقدرة الفائقة على العطاء والإخلاص لشعبه وقضيته ومن اختلف معهم .
نعم، هذا هو اسماعيل كنعان، لمن لا يعرفه، بل يعجز القلم عن وصف خصاله، وتجف الكلمات، حينما تسرد سيرته، وليس بالضرورة، أن تكون قد عايشته ، كي تتعرف على خصاله الوطنية واخلاقه، فهو صاحب الصلابة المنقطعة النظير، فكان يؤكد بأن طريق الكفاح الطويل الذي شقته أجيال عديدة من المناضلين، لا بد أن للاجيال ان تسير عليه بعد تعبيده وتقويمه وتحضيره لكي تستفيد منه من أجل الوصول إلى الأهداف والغايات التي أفنت قوافل الشهداء من أجلها.
وداعا ابو شريف ، وستظل من الخالدين في ذاكرة الوطن والشعب ، فكنت نموذجاً رائعاً، وفي مماتك وشهيداً خالداً، وقنديلاً لن ينطفئ نوره .
ختاما : ما فائدة القلم إذا لم يفتح فكرا ، أو يضمّد جرحا أو يرقأ دمعا ، أو يُطهّر قلبا ، أو يكشف زيفا ، أو يبني صرحا يُسعد الإنسان في ضلاله.
بقلم/ عباس الجمعة