لكل إدارة بليدة قرارات استبدادية، والأفظع من البلادة حين تصير قسوة الظلم التي لا تليق بعنوان لمؤسسة دولية إنسانية غايتها حماية صحة وحياة وكرامة اللاجئ ورفع الظلم، ثمة سردية ملتبسة يتناقض فيها وجود المؤسسة مع وظيفتها وتتحول فيها الى علاقة لا منطقية بين مهمة "الإغاثة" أي صناعة الأمل وهي حاجة إنسانية ملحة، واسقاط "الأمان الصحي" اي صناعة الموت، وتدمير شبكة الأمان النفسي للاجئين لأخذهم الى خيارات مجهولة، وهذا ارتكاب في غاية البشاعة.
"الأونروا" وبلا خجل تعتبر أننا لا ننتمي إلى الإنسانية، عند هذا الإحساس المتجدد ينبغي أن نتوقف، فالسكوت أو اللامبالاة هما الموقف القاتل لتمرير هذه الكذبة الكبيرة وعبور البضاعة الفاسدة، والأجدى أن ندرك خلفية المبررات الزائفة التي استدعت القيام بممارسة هذا الطراز من القهر، حتى لا يأخذنا نافذو الصبر إلى خطوة زائدة أو توجيه اللوم العشوائي الذي يفرغ ما في الصدر ولكنه لا يغني من جوع ولا يشفي من مرض أو من ظلم، هناك من يزعجه الجسم السليم إن كان كفرد أو جماعة، وما زال يراهن على اسقاطنا في مرض الفتنة وبعبارة "فرّق تَسُد"، السياسة هي تدمير مجتمع من مدخل الضغط على الوجع، بسوء نية أو بقلة الحياء علهم يجدون وسيلة ملائمة تدخلنا في جسد فوضى، وتغرقنا في مستنقع فقدان الثقة والذي يراد أن يكون الخروج منه عسيراً ليس سهلاً.
ما فحوى هذه السياسة التي تبنى على وجع الانسان؟ يبدو أن هناك من ضاق صدره من حسن السلوك الوطني وانضباطنا الشعبي، فكان برنامج الاستشفاء الأخير في سلسلة تراجعات اقترفت من وقف بدل الإيجارات، وإغلاق نافذ موارد استكمال الإعمار في مخيم نهر البارد، الا لتطرح سؤالاً للدول التي تتعمد هذه الفعلة وتعرف مآلها وما تضمر من سوء لمجتمعنا كونها كانت ولا تزال هي سبب البلاء لجوءً وتشريداً وقهراً مستمراً، وهل إعادة انتاج النكبة هي مكافأة دولية جديدة ؟.
قرارات قصدية لتوليد ضغط وهي حكماً ليس رغبة، انها تقع في نطاق محاربة الضحية التي تحول فيها المغيث إلى جلاد.
يا أبناء المخيمات، لا يخدعكم التأويل وفلسفة القرارت الإدارية ومعنى تجفيف التمويل، هذا كله ليس مجرد اجراء تقشفي ولكن ليس من هدر المال السائب بل من ساعات حياتك واللعب بسنوات عمرك، فثمة من يحصي لك عدد دقات القلب ويسجل حرارة الحياة وأنت تأخذ نفس عميق، فعل الفضيلة أن تحمي ليس ما أنجزته من رص الصفوف في زمن التمزيق، بل صيانة ما تستحق، الذي لا نحميه بدون همةٍ موحدةٍ وبنيان مرصوص، تحمي وجودك حينما تزمجر غضباً ولكن بوعي يليق بنا وبالرأي المقنع والموقف السليم وليدرك صناع القرار الأممي أنك لا تتسول الحياة في عالم أصم بلا قلب وبلا ضمير، عالم تعوزه العدالة ومعايير حقوق الانسان، حقوق كسائر البشر التي يتم تداولها عادة في أروقة الفنادق والمؤتمرات بينما هي تهدر على أبواب المستشفيات وأعتاب غرفة العناية الفائقة واختبارها الحقيقي هنا في "المخيمات "، التي ستبقى وصمة في جبين العالم المتحضر وحتى إشعار آخر وتنتظر خطوة انقاذية عظيمة
مروان عبد العال.