ما الذي كان عليه أن يفعله الصحفي هشام أبو شقره؟، حالة من الجدل صاحبت الفيديو الذي حاز من خلاله الصحفي على جائزة أفضل فيديو عن قسم الأخبار لعام 2015 من وكالة الأناضول التركية، رصد الصحفي هشام بكاميرته تفاصيل اعتداء جنود الاحتلال على الطفل محمد التميمي من قرية النبي صالح غرب رام الله، وتدخل شقيقتة الصغيرة ووالدتها لتخليص ابنهم من قبضة الجندي الذي راح يكيل له الضربات، هل كان على الصحفي أن يواصل تصوير مشهد الدراما الفلسطينية لينقله إلى العالم كشاهد حي على الانتهاكات الاسرائيلية اليومية بحق الشعب الفلسطيني؟، أم يطيح بكاميرته جانباً وينحاز إلى عواطفه الانسانية ليشارك الأسرة تحرير ابنها من جندي الاحتلال الفاقد لآدميته؟.
الصحفي تغلب على عاطفته وغضبه وانحاز إلى مهنته، ليس من باب الفائدة التي يمكن أن يجنيها مهنياً من وراء رصد تفاصيل المشهد، بقدر ما تحمل الصورة توثيقاً لإنتهاكات جنود الاحتلال، ويكون بمقدور الملايين من البشر الاطلاع عليها، ليدحض بها جانباً من الرواية الاسرائيلية التي دوماً تحاول أن تحجز فيها دور الضحية، كان من الممكن أن يتخلى عن دوره الصحفي ويشترك مع الاسرة في حماية وتحرير الطفل من همجية الجندي، وكان من الممكن أن ينجح معهم في ذلك أو يذهب جهده أدراج الرياح، لكن بالتأكيد أن الصحفي الذي عكف على توثيق المشهد لم ينسلخ عن انسانيته ووطنيته في تلك اللحظة، بل عاش صراعاً بين واجبه الصحفي ومشاعره الانسانية.
لا شك أن همجية جندي الاحتلال وهو يعتدي على الطفل التميمي تثير الغضب وتستفز المشاعر الانسانية وتخرج الانسان عن طور العقلانية، وتدفعه لمساحة المواجهة مع جنود الاحتلال بغض النظر عن نتائجها، لكن بالمقابل الصورة التي نقلها الصحفي طرقت ضمائر الملايين من البشر وكشفت شيئاً من وجه الاحتلال القبيح، سيما وأن الصورة تنقل من الحقيقة ما تعجز عن فعله الكلمات وإن حملت من الحجج النظرية براهين دامغة، الصورة باتت تقتحم العقل دون استئذان في ظل ثورة تقنية المعلومات، وتلتصق بالذاكرة وتمتلك من قوة التأثير في صياغة الرأي العام ما تعجز عن تحقيقه الكثير من الأدوات، والاحتلال يدرك أكثر من غيره هذه الحقيقة لذلك دوماً ما وضع الصحفيين في دائرة استهدافه، إلا أن ذلك لم يمنع الصحفي الفلسطيني من القيام بدور لا يقل في أهميته عن دور المقاتل في الجبهة، لعل الجرأة التي دوماً ترافق الصحفي الفلسطيني هي التي مكنت العديد منهم من حصد جوائز عالمية عدة، بقدر ما تحمل تلك الجوائز قيمة لأصحابها بقدر ما تخدم في محتواها قضية الوطن.
خلال الانتفاضة الأولى بينما كان الصديق الصحفي زكريا التلمس يقوم بتغطية الأحداث في مدينة غزة، أطلق جندي الاحتلال رصاصه فاستقرت واحدة منها في بطن الأخ زكريا، اندفع نحو سيارة اقتربت منه لتقله إلى المشفى، ما أن اندفع بجسده إلى داخلها حتى حاول السائق أن ينطلق بها مسرعاً فغاصت عجلاتها في الرمال ولم تبرح مكانها، ترجل الصحفي زكريا من السيارة ليشارك الفتية في دفع السيارة، كان يضغط بيد على جرحه بينما يدفع باليد الاخرى السيارة، أكثر ما كان يعنيه الإطمئنان على ما وثقه بكاميراته للأحداث في ذلك اليوم، بين الصحفي والكاميرا علاقة يصعب تحليلها، سوى أنها تحفظ له الكثير من ذاكرته والتي في أحيان تختلط بذاكرة الوطن.
د. أسامه الفرا