الإحتلال في مدينة القدس،والتي وفق القانون الدولي الشطر الشرقي منها محتل عام 1967،بالقوة وبالأمر الواقع يريد أن يمنع المقدسيين من ممارسة أي نشاط فيها،ليس في تحد صلف وعنجهي للقانون الدولي فقط،بل يريد أن يوجه رسالة للمقدسيين بأن الإحتلال هو صاحب السيادة فيها،وبانه لا حقوق فيها للمقدسيين،وهو سيعمل على طردهم وترحيلهم طال الزمن او قصر بكل الوسائل الشرعية منها وغير الشرعية.
ولذلك عدا كل القوانين والقرارات والإجراءات والممارسات العنصرية الماسة بحقوق المقدسيين في المدينة،نجد ان الإحتلال يلاحق المقدسيين في أدق تفاصيل حياتهم،فهو يريد ان يجعلهم يعيشون في خوف وقلق دائمين،ولا يفكرون بالمطلق بالخلاص من الإحتلال،والأنكى من ذلك يريد منهم ان يعترفوا بان هذا الإحتلال "نعمة"،وهو أساس كل البلاء والشرور بالنسبة لشعبنا عامة والمقدسيين خاصة.
هذا الإحتلال يقول بشكل واضح للمقدسيين،انتم دخلاء وغرباء في هذه المدينة،ووجودكم فيها مجرد كم زائد ليس إلا،وسنوصلكم الى وضع من يريد ان يمارس الحب مع زوجته يحتاج لإذن منا ...؟؟ فشهدائكم لن نسمح لكم لا بإقامة بيوت عزاء لهم او دفنهم في مدينة القدس،وبيوت أهاليهم سننسفها ونهدمها وهوياتهم وإقاماتهم سنسحبها،وسنطردهم الى خارج المدينة،وأي نشاط تضامني مع أسير او شهيد او حتى مع الأقصى او القيامة لن نسمح به،حتى معسكرات الأطفال سنمنعها.
الإحتلال الذي وفق اتفاقيات أوسلو ب"عجرها" و"بجرها"،عليه المحافظة على المؤسسات الفلسطينية في مدينة القدس،ولكن هذا الإحتلال اغلق عشرات المؤسسات المقدسية،ومارس الكثير من الضغوطات على مؤسسات اخرى،لكي تنقل مركز عملها ووجودها ونشاطها الى خارج مدينة القدس.
وأي نشاط مهما كان نوعه له علاقة بالسلطة الفلسطينية،حتى لو كان مجرد فتح "بسطة" فلافل يقدم الإحتلال على اغلاقه ومنعه،وحجج الإحتلال في إغلاق المؤسسات المقدسية ومنع الأنشطة فيها كثيرة،فأي نشاط على حد زعمه له علاقة بالسلطة او الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية يجري منعه حتى لو كان بيت عزاء أو تكريم اطفال،ولم تعد المسألة مقتصرة على العلاقة بالسلطة والأحزاب،فحتى الحراكات والمؤسسات الشبابية والنسوية أصبحت انشطتها ممنوعة لأنها تضر بأمن الإحتلال؟؟؟!!! .
بالأمس منع الإحتلال لقاءاً ثقافياً مع وزير الثقافة الفلسطيني ايهاب بسيسو في المسرح الوطني - الحكواتي،بحجة ان هذا النشاط له علاقة بالسلطة الفلسطينية.
وقبلها جرى منع عشرات النشاطات والفعاليات لحجج وذرائع متشابهة،والمأساة هنا أنه لا يجري تحريك ساكن من قبل أصحاب القرار في السلطة والمنظمة،حيث ان ذلك تعد صارخ ليس على القانون والإتفاقيات الدولية،بل على الإتفاقيات الموقعة مع الإحتلال ،وبالتالي لا بد من ان يكون هناك تحرك جدي نحو المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية،وكذلك مجلس الأمن الدولي والجنايات الدولية،فما يقوم به المحتل وما يرتكبه من اضطهاد وقمع ومنعهم من القيام بأنشطة ثقافية وتراثية ونسوية وشبابية،هو بحد ذاته جريمة حرب.
الإحتلال يعتقد بأنه المقرر بشأن المدينة وعلى المقدسيين الرضوخ،وفقط مطلوب منهم تنفيذ اوامره،القيام بدفع الضرائب "القراقوشية" بكافة مسمياتها،عدم الإحتجاج على قصوراته واهماله المتعلق بعدم تقديم الخدمات لهم مقابل ما يجبيه من ضرائب منهم،التنكر لحقوقهم في مختلف جوانب حياتهم،عدم وجدود مخططات هيكلية لقراهم تلبي احتياجاتهم من السكن،وعدم منعهم التراخيص للبناء،وما يمنح لهم من تراخيص بتكاليف خالية لا يستطيع المواطن دفعها.
ضغوطات الإحتلال وإجراءاته القمعية والإذلالية،والتنكر لحقوقهم ووجودهم،يدفع المقدسيين للدفاع عن وجودهم وبقائهم،ولذلك وجدنا في هذا السياق بأن الشعور بالظلم والإضطهاد،دفع بالمقدسيين لرفضه ومقاومته،حيث أنه حتى هذه اللحظة يرفض الإحتلال تسليم جثامين شهداء القدس،والذين مضى على إحتجاز البعض منهم اكثر من مئة يوم،ولذلك كانت هذه العقوبات الجماعية حافزاً لتشكيل لجان تتصدى لمثل العقوبات الجماعية،لجنة شعبية للتصدي لقضية عدم تسليم جثامين الشهداء،ومبادرة "مش طالع" التي رفض فيها الأسيران سامر ابو عيشه وحجازي ابو صبيح تنفيذ امر الإبعاد الصادر بحقهما عن المدينة لمدة (5 و6) شهور ولاجئا الى مقر الصليب الأحمر في القدس في 25/12/2015 ،وليجري اقتحام الصليب الأحمر واعتقالهما في السادس من الشهر الحالي،حيث ما زالا رهن الإعتقال بسبب رفضهما أمر ابعادهما عن مدينتهم وانتزاعهما من عائلتيهما ومدينتهم التي ولدوا وترعرعوا فيها.
ولعل منع النشطة والفعاليات الثقافية والتراثية والنسوية وحتى الدينية ،يتطلب منا أن نبدع في كيفية التصدي ومجابهة منعها،وكذلك لا بد من التحرك نحو منظمة الثقافة والعلوم "اليونسكو"،وغيرها من المؤسسات الدولية،لكي تجري محاسبة حكومة الإحتلال على مثل هذه الإجراءات والممارسات القمعية التي تصل حد جرائم الحرب.
إحتلال يريد في القدس أن يمنع عنا حتى الهواء.... أنشطة ثقافية ممنوعة...أنشطة تراثية ممنوعة...أنشطة نسوية ممنوعة...مخيمات ومعسكرات أطفال ممنوعة...أغاني ودبكات وطنية ممنوعة..منهاج فلسطيني ممنوع...دفن شهداء او مناضلين وإقامة خيم عزاء لهم في القدس ممنوع.. الصلاة في الأقصى ممنوعة...حرية البناء ممنوعة..كل شيء في القدس ممنوع حتى الزيت والزعتر وكعك السمسم والآذان.
بقلم/ راسم عبيدات