زمان ..وقبل 40 سنة كنا تحت بساطير الاحتلال الازرق ..نشاهد ابيض واسود ..مسلسل غوار الطوشي...ولما تيسر الحال في الثمانينات ودخل التطور دارنا شاهدنا غوار وحسني البرزان وابو كلبشة بالالوان فكانوا اقرب الى الواقع الذي نعيش... غوار بقبقابه الشهير اشبه بالمواطن المشاغب المغلوب على امره والمغضوب عليه من فوق ومن تحت وحسني اشبه بالمواطن الرومانسي الساذج والمثقف الفارغ.. اما ابو كلبشة فهو اشبه فهو ب(ابو يعقوب) الجندي اليهودي العراقي الضخم الجثة والشوارب كأنه جزار ومهمته تنفيذ امر الحاكم العسكري ورجل المخابرات باعتقال فلان او ضرب علان...!!
كان البسطاء منا والختيارية يكركرون ضحكا على مقالب غوار.. وحبه لفطوم التي تحب البرزان .. ويطربون لسماع ذياب مشهور وهو يغني لهم (ياعنيد يا يابا...وميلي عليا ميلي ليلة..يام الزنار النيلي يافطوم خانوم قلبي نار)
شخصيتان شدتاني... طوال الوقت .. في فندق (صح النوم)..!!. غوار ذلك المتمرد على واقعه المر فيلجا للشر الناعم ويحبك مقالبه جيدا للايقاع بصديقه اللدود حسنى والفوز بقلب فطوم وهو يعمل عندها اجيرا...
وابو كلبشة...آمرالمخفر الذي لا يظهر الا للاعتقال ويتباهى بحاسة الشم القوية كالكلاب ويتلذذ بتعديب غوار وابو عنتر تحت الفلكة..!!
كان صوت غوار وهو يغني (يامو ..ياست الحناين يامو) في حفل السجن يقطع نياط القلب ويحملني بدموعي وتخيلاتي الى سجناء عتليت وشطة وهداريم المجدل ..!!
رأيت (ابو كلبشة) يبتسم ويضحك وياسينو يقدم له القهوة... فاستغربت: هل يضحك سجان..؟!!
لكني راجعت ذاكرتي القريبة ..فوجدت اني رأيت ايضا (ابو يعقوب) يبتسم والمختار (ابو طلب) يدس في جيبه رشوة دسمة طلبا لتصريح لم الشمل ..!!
كنت اتصور ان (ابو كلبشة ) مجرد صورة كريهة قديمة للقهر والاستبداد ورثتها الصحراء العربية من ايام العصملي والفرنجة وستزول مع زوال الاحتلال ومع تعطش الانسان العربي والمسلم لنسمات الحرية وتغلب الحس الانساني على الحس الحيواني عند الحاكم.. لكني ادركت مع عصر الابوات و مع توالي الاحتلالات الاصفر منها والاحضر .. ومع توحش وتغول انظمة القهر من حولنا ومن بيننا... ان (ابو كلبشة) صح النوم كان احن وارحم من (ابو كلبشه)اليوم والذي في حاكورته نعيش.. وادركت ان ابو كلبشة الابشع لازال حيا يتعسس ويشمشم ويتفرعن ويتلصص ..ويمارس هواياته في سحق الادمية و مداهمة البيوت الغافية وجرجرة الناس قبيل الفجر الى الاقبية المخفية واذلال الناس بتحقيقات تذكر بما كان يفعله ( ابو رامي) ذئب الشاباك المتجول في الطرقات وبنفس الادوات والحراس والكيس في الراس وتشكيلة الحلويات من قيد وشبح وقرفصاء وزحف ثم الرقص على انغام الكرابيج والفلكة.. !!
ليس اصعب على الانسان المسحوق ان يعذب بنيران صديقه..!! هنا او هناك.. في ارض الوطن المحتل وفي أي مكان في الصحراء العربية الموحشة المظلمة....!!
واخيبتاه..من القريب قبل الغريب..الكل جرب مراجله علينا.... الاتراك جوعونا وسخرونا..والانجليز قهرونا واعدمونا واليهود ذبحونا ومن ارضنا طردونا والمصريين بكرابيج السوداني عرفونا واولاد عمنا احتلونا ودمرونا..حتى اولادنا اللي ربيناهم للتحرير جرجرونا وبهدلونا..!!
كنا عندما يصفعنا ويركلنا الجنود الاسرائيليون نشعر بالفخر ونقول هل من مزيد...؟!! ولكننا الان نعيش فانتازيا ساخرة حيث الضحايا تستعذب تعذيب الضحايا ...ولحظات جارحة تسخرفيها القيم ..وتبهت الاخلاق ..وتتحسر النفس....وينكسر الامل ..!! عندما يقف الاستاذ امام تلميذه المحقق بانتظار المساج اللذيذ ..معصوب العينين.. شبه عار مرتجفا من البرد .. مختنفا وفي فمه ماء...!!
لا فرق.. نعم لا فرق.. بين قهر في الضفة او قهر في غزة... وبين شبح في ارض محتله او صلب في ارض محرره.. فالانسان هو الانسان والكرامة هي الكرامة ..!!
ان من العار ان تواجه الكلمة بكلبشة...ويواجه الفكرة بهراوة ومن العار كل العار ان يطارد الرأي ويقمع لمجرد انه ليس على مقاس قبقاب السلطان..!!
عندما أعود مستنجدا بتاريخنا المجيد اجده للاسف اسود من قرن الخروب وبالذات في مجال الحريات والحقوق.! يحدثني بلا حرج من البدء عن سحل وسمل وقطع للرقاب على النطع ونفخ..وخنق وشوي وحرق ودفن...
وللاسف لم تفلح حرمة الدين الذي انزل اصلا صونا لكرامة وسعادة الانسان ولردع الطغاة عن طغيانهم... فحمل التاريخ صورهم ودماء الضحايا تقطر من بين انيابهم و ايديهم.. فكم من حجاج ذبح وظلم وافترى باسم الله والدين..!! وكم من مشايخ سلاطين افتوا وبرروا الباطل كما يريد اصحاب البلاط ..والناس تضرب بالسياط..!!
انظر اليوم حولي.. فارى صاحب راي طويل اللسان يعلن توبته وينسحب من المكان مطلقا السياسة طلقة بائنة !!ويتفرغ المسكين لمتابعة اخر صيحات الموضة واخبارالرياضة واكلات المطبخ .!! و ببراءة وادب يتساءل المقموع ..هل سماع صوت فيروز ممنوع؟!!
وللحق فاني اعذره بعد استضافة حميمة لايام اكل فيها شوية كفوف على كم شتيمة وكم شلوت وقرفص في الباص المستعار من اولاد العم دستة ونص من الساعات !! لدرجة اني حرمت على نفسي ركوب الباص ونفرت بعد الذي سمعت..!! ولا اصدقه.. لانه سيعود..ويعزف على العود هيك هيك..فعلى الخازوق يا ولدي (مش حتقدرتغمض عينيك) !!
وانظر ايضا ابعد من انفي لارى ..انسانا في رام الله يعتقل ويستضاف بنفس الحميمية والاسلوب..لمجرد انه لايحب القرع الاصفر ويفضل الملوخية..!!
وافتش في صحراء ممتدة من الخليج الغادر الى المحيط الفاجر عن امن وامان فلا ارى الا شاعراعراقيا يعدم بالرافعة على قصيدة فاقعة ..و شاعرا فلسطينيا غريبا مهددا بقطع الراس بسبب نكاية اوشاية و شاعرة ايرانية تعتقل ويفرج عنها بكفالة..!! وكان الشاعر والصحفي اصبحا مهدوري الدم ..ومبعثا على الهم والغم..!!
أي ظلام هذا الذي نحن فيه ..؟!! واي حديث سخيف ..من الحاكم المؤمن اللطيف الظريف البليغ االفصيح.. عن كرامة الانسان وحرية الاوطان وحرمة الاديان ..؟!!
اكتب ..ما اكتب ....وانا اسمع مواطنا يصرخ في وجه المذيع المطيع عبد السميع....
(انا جعان صح ....واولادي من اسبابيع مش لا قيين رغيف بيتا... لكن يامسؤول ....
ما بدنا كابونة رز وزيت وعدس وفول.... بدنا كابونة كرامة....!!
اللهم انا نشكو اليك ضعفنا..وقلة حيلتنا .. وهواننا على الحكام...
والسلام .....................
بقلم/ توفيق الحاج