حقيقة لفت انتباهي ظاهرة جديدة ،قديمة .. انتشرت كثيرا هذي الأيام في مجتمعنا الغزاوي في الأعراس ،والأعياد وكافة الاحتفالات.. ألا وهي "الدّحية "بكسر الدال مع تشديدها ،..بل أكاد أجزم بأنه لا يخلو عرسا منها اليوم .. وذلك بعيدا عن ضجيج الحفلات الروتينية التي كانت تملأ شوارعنا، والتي بدأت تتلاشى شيئا ..فشيئا ، بالإضافة إلى إنها مصدر إزعاج لما تنتابه من موسيقى صاخبة ، ورقص لا يليق بالرجال ِبتاتا ..ناهينا عن كلمات الأغاني ، التي تهيمها الميوعة والخلاعة.. فتخدش الحياء ،والذوق العام سواء للمدعوين.. أو للأسر التي تجلس ببيوتها على مقربة من ذاك الحفل.! ، عموما لن أتحدث عن "الدحية" من حيث ماهية تراثها ،أومعناها وكيفية أدائها الحركي....أو كانت تصاحبها الآلات الموسيقية أو عدمها..مقارنة بالأصل.. ولن أتحدث كذلك عن مدى معرفة الحضور لكلمات الدحية ،أم لا .. رغم أني اعتبرها من وجه نظري الشخصية أنها من أصعب اللهجات على الإطلاق .. ولكن يكفي أن الدحية.. من ملامح لوحاتها الايجابية ..هي الاصطفاف الجماعي للرجال جنبا بجنب أو متقابلين، واستعمال التصفيق كلون إيقاعي، متناسق ومتناغم..وموحد وسط أجواء الحماسة أو الإثارة ..رغم تباين التنظيمات الحزبية التي كانت سببا للفرقة أو التناحر السياسي والبعد بيننا ..بل من أهم ملامح تلك الدحية ..هي أنها ليست ظاهرة محدثة بل قديمة قدم التراث الفني .. وما يدل اليوم على انتشارها.. ليس له إلا تفسيرا واحدا عندي ..وهو التوحد بالتمسك بالأرض ،وعودة على بدء بكل فطرية إلى الجذور ، والأصالة.! صحيح أنها أي الدحية كانت في السابق من العادات المتأصلة في أهل البدو على وجه الخصوص.. رغم تلاشي معالم حياة البداوة بشكل شبه كامل في قطاع غزة،إلا أني اليوم ما يسعدني هو ذاك التوحد والاندماج والانسجام في مجتمعنا بعيدا عن النعرة الانعزالية أو العنصرية المتحيزة.. فما عاد البدوي يسكنُ بيت الشعر ،ولا الفلاح يسكن بيت الطين.. بل جميعنا يسكن هذي الأرض التي تحتضنا وسط الحصار الخانق لها ،ووسط التوسع الاستيطاني المتغول لأراضينا بالضفة الغربية .!،ولكن ..ما أدرانا قد تكون "الدحية" أحد الحلول السحرية القادمة المحققة ، رغم بساطتها، وبعدها السياسي إلا أنها.. قد تكون نهاية الانقسام قاب قوسين أو أدنى منها..! .
بقلم/ حامد أبو عمرة