المساواة أمام القانون جوهر الحرية والعدالة

بقلم: رمزي النجار

تعتبر المساواة أمام القانون قاعدة أساسية في قانون حقوق الإنسان ومن أهم المبادئ الإنسانية التي تحرص الأمم والشعوب على التمسك به ، ودعمه في مختلف نواحي الحياة، فلا ينبغي أن تقوم في المجتمع البشري أي فوارق نابعة من اختلاف الأصل أو الجنس أو الدين، والإسلام قد قرر معاملة الناس جميعاً على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ، وأنهم جميعا سواسية في القيمة الإنسانية ولا فضل لإنسان على آخر إلا بكفاءته وأدائه في عمله ، ولا شك أن مبدأ المساواة كان أقوى المبادئ التي حملتها الثورات على مر التاريخ لما يتميز به من وضوح أكثر في المضمون، ولذا جاءت المواثيق الدولية للتأكيد على مبدأ المساواة أمام القانون لجميع الناس بدون تفرقة، ولهم التمتع بحماية متساوية ، وقد أقرت الدساتير العربية ومنها القانون الأساسي الفلسطيني ومشروع مسودة الدستور المساواة القانونية، وهذا ما يتضح من خلال النص بأن "الفلسطينيون أمام القانون سواء"، وهو ما يتطلب من المشرع أن يسن تشريعاته دون تمييز بين فرد وآخر أو بين طبقة وأخرى، فالقانون يطبق على الجميع، فليس لأحد مركز خاص ولا استثناء في نظر القانون إلا ما يقرره القانون نفسه، وبالشروط التي يضعها وفي الحدود التي يحددها، ففي مجال القانون الجنائي، يجب على المشرع أن ينص على توقيع العقوبة ذاتها بالنسبة لنفس الجريمة على الجميع.

فالمقصود بالمساواة أمام القانون ليست المساواة الفعلية في ظروف الحياة العادية، بل المقصود بها أن ينال الجميع بحماية القانون على قدم المساواة دون تمييز في المعاملة، أو في تطبيق أحكام القانون عليهم، ويجمع فقهاء القانون أن هناك نوعان من المساواة أمام القانون، الأول يتمثل في المساواة العامة في الحقوق والالتزامات، ومن ذلك الحق في الحياة والحق في الأمن الشخصي، فمثل هذه الحقوق يجب أن يتمتع بها الناس بصورة متساوية، بينما النوع الثاني يكون في المساواة بين فئة من الناس، فالتعيين في مهنة الطب مثلاً لا يتمتع بها إلا الأطباء الذين يحملون شهادة طبية معترف بها قانوناً، فلا يجوز لشخص أن يطالب بتعيينه طبيبا دون أن يحمل شهادة الطب، وبالتالي إذا تقدم شخصان لشغل مهنة الطب فينبغي تعيين الأكفاء منهم طبقاً للمعايير التي حددها القانون.

وإذا كان مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعاً وفق قواعد موحدة، يعنى ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم هدفه ألا تنفصل نصوصه التي ينظم المشرع موضوعاً معيناً عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقياً وليس واهياً أو واهناً أو منتحلاً بما يخل بالأسس التي يقوم عليها التمييز المبرر دستورياً، ومن ثم فإذا ما قام التماثل في المراكز القانونية التي تنظم بعض فئات المواطنين وتساويهم بالتالي في العناصر التي تكونها، استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي تطبيقها في حقهم، فإن خرج المشرع على ذلك سقط في حمئة المخالفة الدستورية، سواء كان خروجه هذا مقصوداً أو وقع عرضا .

وعليه فإن المشرع وهو يصدر النصوص التشريعية يتمتع بسلطة تقديرية في التشريع، إلا أنه يرد عليها بعض القيود التي أوردها الدستور، فالمشرع عند تنظيمه للحقوق والحريات يجب ألا يميز بين المواطنين على أساس العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة، وهي صور لم يردها المشرع على سبيل الحصر، وإنما ذكرها لها باعتبارها الأكثر وقوعاً في العمل فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها، ويجب إخضاعها للرقابة القضائية تطبيقاً لمبدأ المساواة أمام القانون ولضمان احترامه في جميع مجالات تطبيقه، والقول بغير ذلك يؤدى إلى إجازة التمييز فيما عدا تلك الأحوال وهو ما يناقض جوهر مبدأ المساواة ويحول بينه وبين تحقيق الهدف منه ويعرض الحريات والحقوق والواجبات العامة لخطر التمييز فيها بين المواطنين على غير أسس موضوعية تبرره.

لذا تبرز أهمية المساواة أمام القانون باعتباره مبدأ يخضع بموجبه جميع الناس لنفس القانون والعدالة، أي المساواة وعدم التمييز في المعاملة، وعليه يجب معاملة الجميع أمام نفس القوانين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي وغيرها من دون امتياز، لذا الالتزام بالمساواة امام القانون هو جوهر الحرية الحقيقية، ولولا حرية الإنسان لما وضعت هذه القوانين، ونحن حينما نلتزم بالقانون والمنطق في كافة شئون الحياة فإننا ننعم بحياة مستقرة نستطيع من خلالها تحقيق أقصى درجات التقدم والرقي، لهذا يقاس مقدار تقدم مجتمع ما بمدى التزام أفراده بالقانون، فإذا ضاع القانون ضاعت الحياة.

بقلم/ رمزي النجار