حاله جدلية ....فكرية ...ثقافية ...بداخلها خلافات عديدة وتلاوين متعددة ....منطلقات وتوجهات يصعب حصرها ...وتحديد مسارها.....حرصا على اتخاذ الخطوات ....وطريقة لها اليات تفكيرها ...وما يمكن أن ينتج من افكار ومبادئ ورؤي..... بكل ابعادها ومنطلقاتها المستمدة من الحالة الفكرية الثقافية المتولدة بفعل تراكمات التجربة ..وما أحدثته من وعي ثقافي مستمد من كم الاطلاع والقراءة ....الاستماع والتحليل والمشاهدة ....ومجموعة التجارب التي اكسبت المثقف وعيا وادراكا ....ومفهوما ابداعيا .....يحاول من خلاله أن يجد له موضع قدم في ساحة الفعل الثقافي المجتمعي ....من خلال مساهمات تكبر ام تصغر ...لكنها على اهميتها ودورها في تعزيز المخزون الثقافي ....بكافة تعابيره ولغوياته ...وأشكاله التعبيرية ...ومصنفاته الفنية .
المثقف بأغلبية افكاره ومنطلقاته له سمات شخصية ..انسانية ..مجتمعية .....توفر له قدر كبير من المشاعر الفياضة والجياشة ...بإحساس عالي ..ووعي تراكمي ...بفعل تجربة انسانية ملازمة لشخصه ...ومجموعة اراءه وافكاره .....وما يمكن أن يخرج عنه.... من ابداعات فكرية بتلاوين ثقافية ....وبمشاعر واحاسيس ورفاهية انسانية غالبة .....تتحسس مشاعر الاخرين ..وتطغي على شخصيته الكثير من السمات والصفات الانسانية ....التي تعلي من شأنه الانساني والفكري بقدر اكبر .....من الانسان العادي الذي لا يكترث ....ولا يعطي ادني اهتمام بالقضايا العامة بما فيها المسألة الثقافية ...واشكالها المتعددة .
من يطلق عليه مثقف ليس نتاج حالة من الفراغ ....بقدر ما تتولد من كم كبير من القراءة والاطلاع ...وتراكمات تجربة فكرية ثقافية ابداعية ....تم اغناءها وصقلها بمشاعر انسانية ادبية ...وبمهارات لغوية ولدت فعلا ثقافيا ملموسا بكافة اشكال الابداع الثقافي ..وفلسفاته الادبية ... والفكرية .
الافكار والقناعات والرؤي التي يحاول المثقف ان يسجلها ويعلن عنها بتعبيراته الادبية ....وبمضامينه الفكرية .....التي يري فيها قدرة على ايصال ابداعاته .....باستخداماته اللغوية والتعبيرية ...وبصياغاته القادرة على ايصال افكاره .
المثقف اكثر وضوح وصراحة .....واقدر على التعبير عما يجيش بداخله ...وهو قادر على أن يقول ...وأن لا يقول ....أن يقول بالكلمة ....وأن لا يقول بالإحساس ....لكنه في كلا الاحوال يعبر بشدة ...وبقوة عما بداخله .....لا يخاف في قول الحق لومة لائم ...ولا يحسب للمصالح حساباتها ....ولا للمراكز مواقعها .....المثقف يقول ما يريد ان يقوله.... بضميره الحي وقلبه المليء بالمحبة ....وبمشاعره الانسانية التي تطفو على سطح مفرداته وكلماته وأفكاره ....رسالة تصل للمتلقي والمستهدف دون اذن ....حالة المثقف حالة توافقية مع الذات ....وتوافقية مع الاخر ....اذا ما كان الاخر بذات الافكار والمنطلقات والاهداف .
لكن هناك حالة اخري ممكن أن تكون تصادمية ما بين المثقف والسياسي ....على اعتبار ان السياسي له رؤيته القائمة على مصالح حزبية او حركية .....وذات ارتباطات ايدلوجية فكرية ....وذات التزامات تنظيمية .....لا توفر المساحة المطلوبة من حرية الرأي والتعبير ...واحداث الجدل الفكري الثقافي السياسي بأريحية وبصورة طبيعية .
من هنا ...نجد الفروق شاسعة...... في بعض الاحيان ما بين المثقف والسياسي ...وفي احيان اخري .....نجد أن هناك تقارب وتلاحم وانصهار ....ما يلبث أن يعود الي حالة التضارب وعدم التوافق .
فلا المثقف يستطيع أن يغيب عقله ومشاعره .....ولا السياسي يستطيع أن يتنازل عن مصالحه والتزاماته الحزبية والتنظيمية ....ليبقي الخط الثقافي موازيا للخط السياسي ....وربما يلتقيان في بعض المراحل .....التي يشتد فيها حالة الصراع والعدوان.... لكنه ما يلبث أن يتباعد بحالة الانشداد لمواقف كل منهما .
فالسياسي لا زال بحالة جمود وجفاف..... وعدم قدرة على ابراز أدني مستويات المرونة الانسانية المطلوبة ...ليس لشي .....وانما لأنه بطبيعته السياسية ودوره المناط به ..... لا يستطيع أن يخرج عن المرسوم له في اطار مساحة محددة ...ولأداء دور محدد ...وهذا بعكس المثقف ....الذي يري متسعا للتحرك وابداء الرأي والابداع ....واستخدام الكلمات والمفردات والصياغات ....بكل تعابيرها واشكالها دون قيود خارجية ...ولكن بضوابط داخلية ذاتية .
من هنا فالمثقف أكثر تأثيرا ....من السياسي .....حتي وان كان المثقف ....لا يمتلك حلول للمشاكل المستعصية..... ولا يمتلك الادوات والقوة المادية ....لكنه يمتلك من وسائل التأثير المعنوي لإحداث التغييرات بمستويات الوعي والادراك ....واحداث التغيير بالدلالات والأبعاد .
بينما السياسي يمتلك من القوة المادية ....والطرح المباشر.... ما يمكنه من احداث التغيير حتي وان كان بشكل ظاهري ....لكن قوته وتأثيره وحساباته قائمة على المصالح ...وليس على المشاعر ...قائمة على الماديات ...وليس المعنويات .
من هنا فالسياسي في حالة تضارب مع الثقافي .....رغم ان هناك حالة جمع بينهما ...ربما في شخص واحد ...وهذا ما يزيد من صعوبة الحالة التي نعيشها ....وعدم القدرة على الفرز والفصل ما بين السياسي والثقافي .....مما لا يوفر ظروف ومتطلبات التقدم .
لحظات الصعوبة ...والمحك الرئيسي ...عندما يكون السياسي والثقافي بحالة اندماج....مما يفقد حالة التوازن ....ومما يجعل من المشاعر بحالة تضارب ....ومما يجعل من الأدوات بحالة خلط..... حالة التصالح ما بين السياسي.... والثقافي ....حالة مستبعدة ...في تلك الفترة ...وربما تكون حالة فريدة واستثنائية لشخصيات محددة ...الا انها حالة غير مستحيلة ....ولا زال البحث عن شخوصها ....في عالم المصالح السياسية.... التي تدوس على الرؤي الثقافية ...اذا ما تعارضت معها .
الكاتب : وفيق زنداح