أحسن الرئيس بوقف نشر قانون المجلس الاعلى للإعلام، الذي وقع عليه نهاية العام الماضي، سواء كان هذا الوقف نتيجة تدخل محمود لعضو اللجنة التنفيذية د. حنان عشراوي رئيس دائرة الثقافة الاعلام في منظمة التحرير،أو ضغط منظمات المجتمع المدني، أو الخلافات في الحلقة الضيقة. وسواء صدق التحليل القائل إن ايقاف هذا القانون جاء بسبب صراع الاباطرة على تقاسم المقاعد أو الاستيلاء على هذا المجلس، أو التحليل الاخر الذي ذهب الى ان النظام السياسي بات هشا يخشى المواجهة أو أنه لا يقوى على الصمود أمام أية ضغوط.
التوقيع وعدم النشر يبرزان مسألتين هامتين تتعلقان بطريقة انتاج القوانين في البلاد وضعف القدرات الفنية لمنتجي القانون. المسألة الاولى قرر مجلس الوزراء تنسيب مشروع القانون في 15/12/2015 دون نقاش مجتمعي أو ربما دون اطلاع على المسودات والنقاشات السابقة التي تمت على مدار سنوات طويلة أي منذ العام 2004، والتأريخ هنا لمشاركة الكاتب فيها، أو قبل ذلك بسنوات. فيما لم تطلع هيئة الكتل البرلمانية على مشروع القانون الذي من المفترض ان تحيله الرئاسة لها وفقا لتعهدات سابقة. هذا الامر حرم المجتمع من المشاركة والمساهمة، أو كما يقال حيك في ليل، في صياغة مشروع القانون وخاصة انه حرم اصحاب المصالح المختلفة أو المهتمة التي سيطبق القانون ذاته عليها.
أما المسألة المتعلقة بضعف القدرات الفنية لمنتجي القانون خاصة في الصيغة النهائية المقدمة للرئيس للتوقيع؛ ففلسفة القانون قائمة على الاستحواذ والهيمنة والتغول والاستقواء بقوة الدولة على قطاع الاعلام. وهي فلسفة مغايرة تماما لروح العصر أو تطلعات الشعب الفلسطيني لحرية الاعلام، وغير منسجمة مع التزامات دولة فلسطين بالاتفاقيات الدولية الموقعة عليها.
كما وقعوا في اخطاء جسيمة على مستوى اللغة باستخدامهم كلمة تسخير الاعلام باعتباره هدفا للمجلس الاعلى للاعلام؛ هذا المصطلح قادم من عهود الاقطاع، فالعمل بالسخرة طريقة لإجبار الناس على عمل يؤدنه بدون مقابل مادي لجهدهم.
ومن الاخطاء التشريعية الواردة في هذا لقانون تكرار أحكام قانونية في اكثر من مكان، فعلى سبيل المثال ورد في البند السابع من المادة السادسة، "يلتزم مجلس الادارة برفع تقارير دورية كل ثلاثة أشهر عن اعماله وكافة نشاطاته وانجازاته لرئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء"، فهذا النص ورد حرفيا في المادة الخامسة عشر من نفس القانون.
ناهيك عن الاخطاء رسم تواريخ جلسة مجلس الوزراء الموجودة في ديباجة القانون، فقد تم اعتماد جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 12/3/2013 أي في حكومة د. سلام فياض والتي اعتمدت مشروع قانون بهذا الشأن مغاير للقانون الموقع عليه في ديباجة القانون، فيما جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 15/12/2015 تبنت مشروع القانون الموقع عليه من قبل الرئيس في 29/12/2015. وكأنه لم يتم احترام "الجهد" المبذول الذي قدمته حكومة د. رامي الحمدالله في هذا الشأن.
انتاج قانون دون شراكة ودون مشاركة القطاعات المختلفة؛ برلمانيين ومالكي وسائل الاعلام ونقابة الصحفيين والصحافيين والمختصين ومؤسسات المجتمع المدني الاعلامية والحقوقية المهتمة في هذا القطاع، بكل تأكيد ينتج مولودا مشوها، وفي الحالة الفلسطينية حصلت محاولة ولادة مشوهة للمجلس الاعلى للإعلام.
جهاد حرب