بعد انتهاء عقد كامل من الحصار والانقسام في الأراضي الفلسطينية وخصوصا قطاع غزة , لا زال القطاع يعاني من جملة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية, تلك الأزمات جعلت منه مكاناً غير ملائم للعيش ليس لعدم توفر فرص للعمل وتوليد الدخل , وإنما لوجود عدة مشكلات معقدة و متداخلة فيما بينها , جعلت قطاع غزة مُستنقعاً ومركزاً للأزمات ومستشفى للأمراض كافة سواء أمراض اقتصادية أو اجتماعية, أزمات للكهرباء والماء والمعابر واختلال لسوق العمل وتراجع في الأداء الصحي بسبب النقص الحاد في الأدوية لعشرات الأصناف الضرورية من جهة وعدم قدرة المرضى للعلاج بالخارج رغم وجود تحويلات من السلطة الفلسطينية لكن إغلاق معبر رفح حال دون سفر المئات وخصوصاً مرضى السرطان والأمراض المزمنة الأخرى.
بهذا المعنى فإن استمرار تلك الأوضاع الراهنة ودخول الفلسطينيين لعقد ثاني من الأزمات يعني أن المجتمع الفلسطيني وخصوصا في غزة يميل لأن يصبح مجتمعاً فقير ومريضا وغير صحي, مجتمعا 80% من سكانه يعتمدون على المساعدات الإغاثية الدولية, 90% منهم يفتقرون للحصول على المياه الصالحة للشرب, 93% منهم لديهم عدم مقدرة على الحصول على احتياجاتهم الضرورية , إضافة لوجود الآلاف من المرضى بحاجة للسفر والعلاج بالخارج , ويعتبر مرضى السرطان في غزة الأكثر حاجة للعلاج والقضية الإنسانية الملحة الآن والتي تتطلب من السلطة الفلسطينية والحكومة إيجاد حلول سريعة وأهمها إنشاء مستشفى لعلاجهم بغزة على غرار مستشفى الحسن للأمراض السرطانية بالضفة الغربية.
مرضى السرطان في غزة : أرقام وحقائق ودلالات
غزة لا زالت تعاني من ازدياد مطرد ونمواً في أعداد المصابون بمرض السرطان , وتعتبر تلك الأعداد عالية جداً قياسا بعدد السكان الذي يقترب من 2 مليون نسمة , حسب تقارير وزراة الصحة في نهاية العام 2014 بلغ عدد المصابون بمرض السرطان في قطاع غزة 12600 حالة , منها 5185 خلال الأعوام 2011-2014 , مؤسسات أخرى ترى أن العدد يزيد عن 15000 مُصاب أي بواقع 9 مصابون من أصل 1000 شخص , إضافة لوجود حالات غير مُكتشفة لعدم وجود آليات بوزارة الصحة لاكتشاف أو كبح جماح المرض مسبقاً.
أمام هذه الأرقام الكبيرة, ومن الناحية الاقتصادية لا زلت أطرح هذا السؤال والذي يتعلق بماهية ومسببات هذا المرض, وما هو التفسير الحقيقي لارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في غزة والعديد من البلدان الأقل نمواً والفقيرة والتي تفتقر للإنتاج الذي يؤدي لوجود أشعة وانبعاثات تُسبب الإسراع في حدوث أعراض تلك الأمراض.
الواقع يقول أن قطاع غزة خالي من المصانع ويخلو من الإنتاج النووي والُمشع ويفتقر لكل مقومات التصنيع ولكل مقومات أي عملية إنتاجية صناعية, فكيف ترتفع به معدلات الإصابة بالسرطان حيث ينعدم الإنتاج الصناعي برمته والذي انكمش بنسبة 60% في العام 2015 وهو العام الذي شكل إصابات بالسرطان عالية قياسا بأعوام سابقة , في حين أن الدول الأكثر تقدما وإنتاجاً صناعيا تقل بها الإصابة بهذا المرض , للاحتلال سببا في ذلك ولتراجع دور الوزارات العاملة في الأراضي الفلسطينية دوراُ في ذلك, ألم تسمح وزارة الاقتصاد بغزة بالسماح ببيع بندورة فاسدة وبها مواد مُسلطنة بعد إرجاعها من قبل السلطات الإسرائيلية قبل شهرين من الآن , ولكن ما يهم الباحثون ما هو السبب في ارتفاع عدد حالات الإصابة بدول أخرى نامية.
هناك اعتقاد أن هناك أيدي خفية في الرأسمالية تقف وراء هذه الارتفاعات كونها هي من تُنتج الأدوية والمبيدات التي تُستخدم في الزراعة والتصنيع من جهة والشركات التي تنتج الأدوية والجرعات الكيماوية ذات التكلفة العالية , ومنها الشركات التي تقدم العلاج وإطالة المدة الزمنية التي ترافق المريض والتي تستنزفه وترهق موازنة الحكومة .
أما فلسطينياً فهناك قصور كبير وهو كالتالي :
- عدم بناء مستشفى تخصصي في قطاع غزة ومركزا بحثياً لملاحظة تلك الأمراض وعلاجها دون الحاجة للسفر للخارج , حيث أن ما تم انفاقه من قبل الموازنة الفلسطينية للتحويلات الخارجية يفوق تكلفة إنشاء مستشفى تخصصي .
- الرئيس الفلسطيني محمود عباس وضع حجر الأساس لإنشاء مستشفى الحسن للأمراض السرطانية في الضفة الغربية بداية العام 2016 , وهذا مشروع مهم وحيوي , ويتوجب على الرئيس كذلك العمل على إنشاء مستشفى أخرى في قطاع غزة كونها كانت ساحة مفتوحة للقذائف والصواريخ الإسرائيلية والتي فاقمت من حدة المشكلة.
- ساهم الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني في تغييب الموت لعدد من مرضى غزة والسبب إغلاق معبر رفح وفقدان الأدوية تارة وبيعها للقطاع الخاص تارة أخرى (خصوصا المساعدات الدوائية من قبل الأشقاء والأحرار ) وإتلاف بعضها بسبب تكدسها في المخازن تارة أخرى.
- لا أحد يُنكر حجم المواد التي ألقيت على غزة بسبب العدوان الاسرائيلي المستمر ولكن كذلك هناك شبه غياب للرقابة على الإنتاج الزراعي والصناعي المحدود جدا, إذ أن الربحية وتحقيق أقصى وأسرع ربح جاء على حساب صحة المواطن .
- بعد عشر سنين عجاف في غزة حيث الحصار والانقسام وانعدام الدور الحكومي التكافلي فإن الحاجة الآن ملحة لإنشاء مستشفى تخصصي لعلاج مرضى السرطان بحيث لا ننتظر إنهاء إدارة الانقسام لأنها مستمرة في ظل عدم وجود قوى ضغط فاعلة مجتمعيا .
وفي الختام فإنه وبعد عشر سنين من الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي الفلسطيني - الفلسطيني ؛ ومع نجاح إدارة الانقسام منذ 9 سنوات , ومع الازدياد الكبير في أعداد المصابين بأمراض السرطان وارتفاع وفيات السكتة القلبية والدماغية .
هل يمكن لمدراء الانقسام الفلسطيني إنشاء وإدارة مستشفى تخصصي وخصوصا قسم لعلاج مرضى السرطان بغزة إذ أن عدد المصابين في غزة يفوق أل 15,000 شخص ينتظرون فتح المعبر وتوفر الأدوية .
الجواب بالتأكيد لا , والسبب لأن إنشاء مستشفى تخصصي يعني وجود مصلحة مجتمعية والتخفيف من آثار الأزمة من جهة وغياب السبب لوجود تحويلات للخارج وخصوصا في مستشفيات خاصة ربما تمارس أنشطة زواج كاثوليكي بشكل محدود للغاية , مجرد ظن وإن بعض الظن إثم .
#معاً_لإنشاء_مستشفى_تخصصي_لعلاج_مرضى_السرطان_في_غزة
بقلم/ حسن عطا الرضيع
الباحث الاقتصادي_ غزة