أنباء تتوارد، وتسريبات تنشر عن مفاوضات سرية بين حركتي فتح وحماس بوساطة قطرية. يبدو أن قيادتنا أصبحت مصابة بشهوة المفاوضات، وشهوة التصريحات، وشهوة تعذيب شعبنا على الفضائيات. وشهوة تجميل الواقع رغم المصائب والنكبات، وشهوة الاستجابة السريعة لاستفزاز العدو الإسرائيلي بشن العدوان تلو العدوان على غزة. ونعلن استعدادنا على الحرب، وأننا سنفاجئ العدو بأسلحة نووية وغيرها من أعتى أنواع الأسلحة دون أن نسأل أنفسنا ماذا حصدنا في الثلاث عدوانات على غزة في أقل من عقد من الزمان. نعرف أن السياسة هي القدرة على الزرع والفن في الحصاد. ولكن أن يكون زرع بدون حصاد فهذه سياسة جديدة لم نستطيع فهمها. ونفهم أن المفاوضات يجب أن تؤدي إلى نتائج، ولكن مفاوضات لعشرين سنة مع الاحتلال لم تؤدي لنتائج، وكانت عبثية. اعتقد أن قيادتنا لم تعد تتقن سوى الحوارات العبثية على صعيد الداخل. فهناك اتفاقيات في كل مكان في جدة والقاهرة والدوحة، وتفاهمات في اليمن والمغرب والشاطئ، وكلها لم تجد طريقها للتنفيذ، لأن النوايا ليست صادقة، والمصالح لم تعد تلتقي على ثرى الوطن. وأصبح كل طرف له تحالفاته وتجاذباته ومصلحة الحزبية الضيقة، وأصحاب الكروش والامتيازات في كلا الطرفين. لم نعد الابتسامات ولا المصافحات تجدي أمام شعبنا الذي يعاني شظف العيش، وواقع مؤلم، من نسبة بطالة عالية، وارتفاع العنوسة في مجتمعنا، وفقدان الأمل، وانتشار الأحقاد والكراهية
لم يعد شعبنا يؤمن بحوارات الساسة، ومبادرات السياسة هنا وهناك لأنه راكم فقدان الثقة في القدرة على التنفيذ، وكأن الانقسام لم يعد شاناً فلسطينياً، وهناك من يديره عربياً وإقليمياً ودولياً. وكأن هناك فئة ممن لهم مصالح قد سيطروا على القرار الفلسطيني، وحرفوه عن مساره الصحيح. فالانتفاضة الجماهيرية في الضفة مأزومة، وهناك من يلاحقها، وهناك من يتشدق بدعمها وهو في الحقيقة يلتف عليها ويسعى لوئدها. وهناك من يسعى لتأجيجها من أجل إبعاد الأنظار عن الأزمات المتلاحقة تحت إدارته وسلطته الفعلية. لا يوجد هناك رؤية فلسطينية موحدة تجاه المقاومة بشقيها العسكري والشعبي، ولا يوجد هناك رؤية تجاه المفاوضات، فقدنا البوصة رغم وضوح الهدف للشعب. فالشعب يدفع الثمن في المقاومة بكل وسائلها، وهناك قيادات تلعب على وتر الزمن، وتنتظر متغيرات عربية وإقليمية هنا وهناك. الكل يراهن على عنصر الوقت، ويبدو أن الوقت ضد الجميع، والواقع يزداد من سيء لأسوء. والأوضاع العربية تزداد تأزماً، حيث الساحة العربية مستباحة من أقصى اليمين لأقصى اليسار. والحشد الطائفي يتراكم ويتصدر الواجهة في مقابل تراجع الحشد العربي والإسلامي للمشروع الصهيوني.
وتعترف إسرائيل بأن لها الآن علاقات سرية وعلنية مع جميع الدول العربية تقريبا، ووزرائها يقومون بزيارات سرية وعلنية بين الحين والآخر. وانتقل المعسكر العربي من دور الصامت تجاه السياسة الإسرائيلية العدوانية الاستيطانية تجاه شعبنا إلى دور المتواطئ على الشعب الفلسطيني وقضيته. ولسان حالهم يقول إذا كان الفلسطينيون منقسمون على أنفسهم فلم يجب مساعدتهم ومساندتهم
فليس أمام شعبنا سوى ممارسة ضغوطه على قيادته التي لم تعد تأبه بمعاناته وسوء واقعه، وإعادة قيادته إلى رشدها وصوابها بعد أن عبثت بالمشروع الوطني وبالشعب الفلسطيني في انقسام قد أكل الأخضر واليابس. فشعبنا ليس بحاجة لمبادرات واتفاقيات جديدة بل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه. حتى لا يبدو الأمر وكأنه إدارة للانقسام وليس حل له.
بقلم/ أ.د. خالد محمد صافي