تتجه الانتفاضة الفلسطينية الثالثة نحو أهدافها، حيث يتصدى الشباب في الميادين والشوارع بصدور عارية وأيادي متشابكة ويهتفون،لا للاحتلال ولا للاستيطان ولا للتهويد ونعم للحرية والاستقلال.
فلسطين تتوحد خلف شهدائها ، وتنضم الجموع إلى الشباب الثائر، يأتلفون وينتفضون في مواجهة آلة القتل الصهيونية الجهنمية، فيحسنون انتقاء الشعار المتوافق مع طبيعة المرحلة، ينزعون رداء الإحباط، يلبسون ثوب الأمل، وهم المنتفضون من الشباب والشابات، يخلعون عن أنفسهم العصبوية الفصائلية ، ويمتشقون الحجر والسكين وعمليات الدهس، ويتلفّعون الكوفية، ويمضون مواطنين أحراراً بوعي وطني جامع، يطابق ديمومة الانتفاضة، يسكنون الصيرورة دون أن يفلسفوا المرحلة، يتحدون الصهاينة العنصريين وقطعان المستوطنين، ينهمر الرصاص الحي باتجاه أجسادهم الطاهرة ، يرسمون الأفق لفلسطين المستقلة الحرة بخيوط الشمس الذهبية، وبقليل من الإيديولوجيا وكثير من المقاومة يصنعون تاريخهم ويؤسسون لزمن فلسطيني جديد.
الجيل الفلسطيني الجديد من المناضلين والمتظاهرين يرعب الصهاينة ، خيارهم الانتفاضة والمقاومة التي هي ثمرة تراكم تاريخي لوعي جديد سقط معه وهم الدولتين والحقيقة المرة التي يتجنب الصهاينة الاعتراف بها هي انتفاضة جديدة تولد في كل فلسطين وتعمل لتحرير كل فلسطين وهم يتحسسون توغلها وانتشارها.
وبالرغم من خمسة شهور على الانتفاضة ، فإنها قدمت نفسها بأسلوب مدني متطور، سواء على صعيد تحديد الهدف المباشر بوضوح، أم على صعيد اختيار أشكال المقاومة القادرة على مخاطبة الرأي العام العالمي بلغة الحرية والعدالة والحقوق الإنسانية، حيث كشفت هشاشة سياسة ونهج حكومة نتنياهو القائمة على استخدام القوة العسكرية المفرطة، وبيّنت فشل كبار القادة الصهاينة بكسر الإرادة الوطنية للشعب الفلسطيني وإخضاعه، كما ساهمت بإعادة الاعتبار لدى الرأي العام العالمي إلى النضال الوطني الفلسطيني باعتباره نضالاً من أجل الحرية والاستقلال وضد الاحتلال الكولونيالي والغطرسة العنصرية.
لكن يبقى أمام الحركة الوطنية الفلسطينية بجميع مكوناتها وفصائلها، أسئلة لا مفر من التعامل معها والإجابة عليها، وتستدعي رؤى وأدوات وبناء استراتيجية جديدة، إضافة إلى عدد من القضايا الملحّة التي تحتاج إلى قرارات وتوجهات جادة بشأنها وابرزها ضرورة إنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة الوطنية الشاملة، ومن ثم تنظيم العلاقة بين مختلف المؤسسات الوطنية بما في ذلك مؤسسات “م.ت.ف” ومؤسسات السلطة نفسها على قاعدة التكامل والتخصص والشرعية المستندة إلى القانون الأساسي، وعلى أساس رد الاعتبار للمؤسسة الوطنية الجامعة كإطار لصناعة القرار الوطني، واعتبار الانتفاضة خيارا أساسيا للشعب الفلسطيني على طريق تحرير أرضه واسترداد حقوقه المشروعة، وحماية مقدساته الاسلامية والمسيحية.
إن الشعب الفلسطيني في حالة انتفاضة دائمة ، من يدرس حالة الفلسطيني سواء كان على ارضه او حولها او في مخيمات البؤس ، سيرى جسدا لايهدأ ، وعقلا مسيطرا على واقعه بانه في حالة استنفار دائم ، من الظلم ان نحبس الفلسطيني ضمن حلم نعيد تكرار صوره وهو الذي يمكنه تجاوزها دائما بقدراته وامكانياته التي جوهرها الزمن الصعب، اي زمنه.
وامام كل ذلك نقول بكل أسف العرب يتفرجون كالعادة، فمنهم الخائف على المحتل الاسرائيلي، بينما هنالك من ينشرح صدره بالمشاهد التي نحتاج لعشرات مثلها يوميا، فلسفة الحجر والسكين والدهس تجربة لابد ان من خاضها كان قد تدرب على طريقتها لا لكي ينجو بعد فعلته، وهو العارف بمصيره، بل ليصطاد أكثر من صهيوني محتل، ثم يستشهد بعدها، لافرق.
ولهذا نرى ان لغة السكين والحجر الجارحة الحادة انما صنعت لتقول ماهو اقوى من الكلمات، لتتفوه برمزية مفادها ان الشعب الفلسطيني يعيش خيار انتفاضته هذه المرة باسلوب متواضع لكنه باهر في نتائجها، هي الانتفاضة التي تستحق كل اللغات التي يعبر بها الفلسطيني عن احترام قداستها، سواء استعمل اي نوع من السلاح، او قام بعملية دهس كما فعل، او شق بطن صهيوني، او ضرب حجرا سقط على رأس جندي مذعور .
وفي ظل هذه الظروف نقول ان الانتفاضة الفلسطينية هي امتداد الى الانتفاضات التي كانت ثورات بمعناها الحقيقي، وان توقفت، فان مفهومها مستمر في عقل كل فلسطيني وفي جسده، وليس غريبا ان نرى بين الفينة واخرى ماتم تسميته بالهبة الفلسطينية، وصولا الى الانتفاضة التي نراها الان ونعيش تفاصيلها .
ونحن نتحدث عن الانتفاضة لم نتفاجأ بما اقدمت عليه وكالة الغوث الدولية ( الاونروا ) منذ فترة بتقليص الخدمات التى تقدمها لللاجئين الفلسطينيين فى لبنان, وخاصة على المستوى الصحي، وقبلها على مستوى التعليم, والاغاثة, والقروض الصغيرة، والمواد الغذائية, و زيادة عدد الطلبة تحت حجة الازمة المالية التى تمر بها, وهي تاتي بشكل متعمد لاعتبارات سياسية تصب في اتجاه تصفية قضية اللاجئين، وتصفية حق العودة ، وهي سياسة قديمة جديدة تحت يافطة العجز في الميزانية وعدم إيفاء الدول بالتزاماتها وتعهداتها المالية اتجاهها والمتتبع لهذه السياسة منذ عشرات السنوات ولكنها هذه المرة وفي ظل هذه الظروف وخاصة امام انتفاضة شعبنا في فلسطين لم يكن الإعلان عن التقليصات بعيدا عن المشروع الامبريالي الصهيوني الذي يحاك بهدف تصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني وأزاحتها عن المسرح السياسي كشاهد عيان على نكبة فلسطين ، وهي مؤامرة تستهدف (الاونروا) لإنهاء دورها من قبل اللوبي الصهيوني وبعض الجماعات الضاغطة في الكونغرس الأمريكي الذي يطالب بنقل صلاحيات الوكالة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وللدول المضيفة وأن هناك بعض الدول الغربية والعربية التي باتت تتماشى مع هذا المخطط، الأمر الذي أصبح يشكل خطر سياسي على القضية الفلسطينية ولا سيما قضية اللاجئين التي تعتبر جوهر القضية الفلسطينية، لذا يجب أن يكون هنا وقفة جادة لتجنب ومنع الخطر القادم على قضيتنا، مما يستدعي تضافر جهود الكل رسميا وشعبيا وتنسيق العمل للتصدي للمؤامرات الخطيرة التي تحدق بقضيتنا وعدم المساس بحقوق اللاجئين مع التمسك بوكالة الاونروا وولايتها ومسؤولياتها وعدم تغيير اسمها أو نقل مسؤولياتها إلى أي جهة أخرى لحين ضمان حق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها على ارض فلسطين التاريخية وفقا للقرار الاممي ۱۹٤، وهذا الحل هو مسؤولية المجتمع الدولي بأسره الذي أهمل القضية الفلسطينية لما يزيد عن سبعة وستون عاماً دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ان الشعب الفلسطيني في اماكن اللجوء والشتات يعتبر ان الانتفاضة الفلسطينية تشكل خياره النضالي والكفاحي ، ويعتبر ان المعركة واحدة وإن تعددت الساحات، ولن يعطونا حقوقنا إلا مرغمين ، فقط فالحجر والسكين الفلسطيني ، والنضال الوطني سيضطرهم لذلك، ، ففي كل يوم تخط فيه جماهير الشعب الفلسطيني باعتصاماتها ضد سياسة الاونروا المجحفة ، بينما يخط الحجر والسكين الفلسطيني سطراً جديداً في أسطورة الكفاح ليكتمل النضال الموحد ونحن بكل تأكيد نقترب خطوة باتجاه النصر.
ختاما : لا بد من القول أن مقياس نجاح نضالنا الوطني هو مدى تحقيق الاهداف الوطنية المشروعه لشعبنا حيث يسجل التاريخ اليوم ملحمة متواصلة على طريق تحرير الارض والانسان ، فتحية التقدير والإكبار لأبطال الانتفاضة الذين يسجدون حلم الحرية والاستقلال والعودة بدمائهم الطاهرة .
بقلم/ عباس الجمعة