جورج حبش مسيرة عطاء

بقلم: عباس الجمعة

نقف امام الذكرى السنوية الثامنة لرحيل القائد والمناضل الفلسطيني العربي ألاممي الشهيد الكبيرالدكتور جورج حبش أحد أكبر مؤسسي حركة القوميين العرب ومؤسس وزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،قائد وزعيم تاريخي تنازل عن منصبه طوعا ليقدم بذلك مثلا رائعا ومميزا لقادة يحكمون من المهد إلى اللحد،غادر موقعه كأمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بمحض إرادته لأنه آمن بالديمقراطية والتجديد، وأصر على ترك موقعه على رغم مطالبة رفاقه له بالبقاء، صحيح غادر موقعه ، ولكنه بقي على مواقفه ومبادئه وقناعاته، وكانت وصيته التمسك بالمبادئ ومواصلة النضال والمقاومة وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط للانتصار وتحرير فلسطين.

لقد كرس الشهيد القائد جورج حبش حياته في النضال من اجل فلسطين ،ودافع عن الثوابت الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها القدس ومقدساتها وحق العودة، وكان موقفه المميز لن أعود إلى ارض فلسطين إلا مع آخر لاجئ فلسطيني، نعم القائد جورج حبش لعب دورا بارزا في النضال الفلسطيني والتحرري العربي، لما تمتع به من شخصية ثورية قيادية أهلته لأن يقود مسيرة كفاح طويلة، و امتزجت نضالاته الفلسطينية من أجل التحرير الناجز لكامل التراب الفلسطيني مع نضالاته من أجل لحمة النضال الفلسطيني الوطني والعربي القومي .

لقد أتيح لي أن أتعرف على الشهيد القائد الدكتور جورج حبش في احدى الندوات في مدينة صور قبل اجتياح عام 1982 للبنان ،حيث كان حديثه قي ذاك الوقت عن الاوضاع السياسية الراهنة ، حيث وجدت في حديثه إيمان وثبات قل نظيره، وببساطة نادرة، حيث كان حريصاً على المبادئ لا يفرط في حق، ولا يساوم في مبدأ.

ونحن في ذكرى حكيم الثورة نقف امام ما يتعرض له شعبنا الفلسطيني من عدوان همجي صهيوني مستمر بحق الشجر والحجر والبشر، بينما تعصف حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ اغتصاب الكيان الصهيوني, فالضفة الغربية لا تزال محتلة برمتها وغزة محاصرة من جميع الجوانب, حيث يضرب البعض من اصحاب المصالح تطبيق اتفاق المصالحة وانهاء الانقسام بعرض الحائط واضعين مصالحهم الشخصية الفئوية الضيقة فوق كل المصالح العليا لأعدل وأطهر قضية عرفها التاريخ المعاصر، وفي حين البعض ينتظر ان تعود المفاوضات العبثية مع الاحتلال، ولكن لم يعلموا هؤلاء ان انتفاضة شباب وشابات فلسطين ومعها اغلبية الشعب الفلسطيني تعيد زمن الصمود، والمواجهة مع الاحتلال وقطعان مستوطنية لتعديل ميزان القوى، وتوحيد الطاقات والجهود والإمكانات الوطنية، هذه الانتفاضة بوصفها الخيار الوحيد القادر على إفشال مخططات الاحتلال ، حيث تختزل خريطة فلسطين الوطن بدماء شهدائها ، فالشعب الفلسطيني المنتفض والمستعد للعطاء والتضحية بلا حدود، بات متقدما، في وعيه الوطني واستعداده الكفاحي ومبادراته الشجاعة، على اكثرية قياداته غير القادرة على تجاوز المنظومة الفكرية والسياسية والأمنية والأخلاقية والنفسية والانقسامية.

لذلك نقول في حضرة الذكرى السنوية للقائد الشهيد جورج حبش أن الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة تحرر وطني، لا يجوز فيها، بحال من الأحوال، تقديم التناقضات الداخلية على التناقض الأساس مع الاحتلال، وتقتضي هذه المرحلة ممارسة جميع أشكال المقاومة، وتوحيد أدواتها ومرجعيتها، فلا بجوز شرذمتها واختزالها في شكل معين، فيجب على الجميع اغتنام فرصة الانتفاضة الجارية لتوحيد الصف الوطني من خلال انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضية شراكة وطنية حقيقية ورسم استراتيجية وطنية وتطبيق قرارات المجالس الوطنية والمركزية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على اجراء الانتخبات الرئاسية والتشريعية ، بأعتبار ذلك محطة لاستعادة ثقة الشعب الفلسطيني بالفصائل والقوى.

وفي هذه اللحظات نرى اهمية التمسك بمواقف حكيم الثورة الشهيد القائد جورج حبش ، ورفاقه الشهداء القادة الرئيس الشهيد القائد ياسر عرفات وابو العباس وطلعت يعقوب وابو جهاد الوزير وابو علي مصطفى وابو احمد حلب وسمير غوشة وابو اياد وعمر القاسم وفتحي الشقاقي وبشير البرغوثي واحمد ياسين وعبد الرحيم احمد وزهير محسن ، بان الشعب الفلسطيني شعب التضحيات ، هذا الشعب المؤمن بثورته ونضاله وانتفاضاته وهباته ، يستدعي من الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية اعادة مسار الثورة والنضال الى مكانته حتى يبقى الجميع وفيّا لكل شهداء فلسطين، ملتزمة بالمبادئ العظيمة التي ضحوا بأرواحهم من اجلها ووفيّا لأسر الشهداء والجرحى والأسرى المناضلين الصامدين ، وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تتطلب تركيز أهدافها ومهماتها الثورية عبر الانتفاضة المتجددة ، وان يتحمل الجميع مسؤولياته في ذلك، باعتبار ان الانتفاضة تشكل في هذه المرحلة طليعة النضال الوطني الفلسطيني ، وتجسد معاني الكفاح من اجل تحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي، فالشهيد القائد جورج حبش ورفاقه الشهداء من الامناء العامين لفصائل الثورة شقوا طريقً الكفاح ورسموا فيها اسلوباً نضاليا وما زالت العيون شاخصة باتجاه تحرير فلسطين والاراضي العربية المحتلة.

وامام هذه الاوضاع ونحن نقف في غياب الحكيم نتحسس اوجاعنا الفلسطينية والعربية، لقد حاولت الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية والرجعية العربية اغتيال طموحات الشعوب من خلال القوى الارهابية التكفيرية المتخلفة بهدف سرقة خيرات وثروات الامة العربية ومحاولة رسم سايكس بيكو جديد ، ولكن الشعوب العربية وقواها الحية ومقاومتها لم تسقط من حساباتها التزاماتها تجاه فلسطين، رغم إدراكها التام بأنها تدفع ثمن وفائها للقضية المركزية فلسطين.

ختاما: لا بد من القول ، ستبقى سيرة المناضل والقائد الكبير جورج حبش تتناقل دروسها الأجيال، لانه ترك لنا أمثولة وملحمة من ملاحم الصبر على تحمل العذاب، حتى استعادة حرية فلسطين .

بقلم/ عباس الجمعة