الموجة الجديدة من الحديث عن لقاءات وقعت وأخرى مرتقبة بين حركتي فتح وحماس، عكست أحوال الطقس شديدة البرودة التي تقع تحت تأثيرها الأراضي الفلسطينية المحتلة هذه الأيام.
لا المواطن الفلسطيني ولا السياسي، يبدي اهتماماً بهذه الجولة من الأحاديث والتصريحات، التي يلاحقها الصحافيون، الذين عن غير قناعة يتابعون حدثاً يكسر روتين التغطيات الإعلامية التي تتركز منذ أربعة أشهر حول الانتفاضة وتداعياتها.
اللقاءات ليست جديدة، فهي قد سبقت الإعلان عن آخر ما ورد منها، وكأن الطرفين يفتقدان الثقة بما يفعلان ولو كانت مشاعر التفاؤل تتغلب على مشاعر التشاؤم لحصلنا على تغريدات مختلفة، وضجة إعلامية لا تتوقف.
عند الإجابة عن أسئلة الصحافيين، ثمة فارق بين التحليل الموضوعي، وبين المشاعر والرغبات ذلك أن التحليل يقود إلى استنتاجات سلبية، حيث يتوخّى المحلّلون السياسيون أن يقعوا مرة أخرى في فخ الاستجابة للرغبات، فيراكمون المزيد من خيبات الأمل التي حصدنا منها الكثير خلال السنوات السابقة.
ولكن لأنه من المحذور، أيضاً، أن ينضاف المحلّلون إلى أسراب الغربان فإنهم، يكتفون بالصلاة والدعاء، بأن يكونوا هذه المرة على خطأ، وأن يُفشل الطرفان تنبؤاتهم وتحليلاتهم.
اللقاءات التي جرت منذ بعض الوقت في تركيا وقطر، أدارتها كوادر مناضلة من المستوى القيادي الثاني، وهم لم يسبق لهم أن كانوا مكلّفين بهذا الملف، ما يعني أن المسألة قد تدخل في باب المبادرات، غير المدروسة من قبل القيادات السياسية ولم يصدر بها تكليف رسمي، وإن موافقة القيادة عليها هي أقرب إلى سيروا على بركة الله ولكن عند القرار لكل حادث حديث.
في الإعلانات، أيضاً، إن ثمة لقاء قريباً في الدوحة بين وفد مكلف بمتابعة هذا الملف من حركة فتح، والأخوين خالد مشعل والدكتور موسى أبو مرزوق، لا يعرف أحد، ولم يدل أحد بأية تصريحات، تشير إلى أن اللقاء المرتقب سيتوج لقاءات تركيا وقطر السابقة، أم إنه سيبدأ من الصفر متكئاً فقط على وجود رغبة مشتركة، أو لأنه لم يعد من المناسب قطع خط لقاءات قطر وتركيا، وطي الملف، خصوصاً بعد أن ظهرت أخبار تلك اللقاءات في وسائل الإعلام.
جملة من الأسباب تدعو للاعتقاد بأن هذه الجولة على أهمية ما وقع من لقاءات، وما سيقع، يمكن أن تفضي إلى نتائج تنقلنا من حالة إدارة الانقسام إلى حالة البدء، بإنهاء الانقسام.
السبب الأول، هو أن هذا الجهد المشكور من تركيا وقطر، ومن كل من سعى جدياً لإنهاء هذا الملف المشؤوم، هذا الجهد لا يكفي لردم الهوّة بين الطرفين، بمعزل عن الدور المصري الأساس، وربما الدور الأردني.
الادعاء الذي يصدر عن البعض من أن هذا الجهد مدعوم مصرياً، هو مجرد ادعاء تبطله حالة العلاقات المصرية مع تركيا وقطر، وهي علاقات تتميز بالسلبية والخلاف الذي يصل إلى حد الاتهامات المتبادلة.
ومن غير المحتمل أن يكون انضمام كل هذه الأطراف إلى التحالف الذي أعلنته السعودية ضد الإرهاب، قد أزال الخلافات بينها، الأمر الذي ينطوي ربما على قدرٍ من المناكفة لمصر حتى من قبل الأطراف الفلسطينية.
في كل الأحوال فإن أي اتفاق لإعادة المصالحة بين حماس وفتح يحتاج إلى ضمانات ورعاية، لا تكفي معها الضمانات والرعاية التركية القطرية ولأن مصر هي الدولة الأقدر على توفير هذه الضمانات ما عدا الضمانة المالية التي يمكن أن تقدمها قطر.
السبب الثاني، هو أنه لم يحصل أي تغيير في حسابات الطرفين فتح وحماس، ولا تغيير في رؤية كل منهما لكيفية التعامل مع اتفاقيات المصالحة التي تمت، ويبدي الطرفان تمسكهما بها، والأصل هو أن تغييراً سياسياً لم يقع حتى اللحظة فيما يتعلق بالخيارات وبالعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
السلطة لا تزال على التزاماتها الأمنية وغير الأمنية المترتبة على اتفاقية أوسلو، والتي تواصل السلطة إطلاق التهديدات بالتوقف عن الالتزام بها، خصوصاً ما يتعلق بالتنسيق الأمني الذي تعبر حركة حماس عن غضبها منه ورفضها له.
حركة حماس هي الأخرى تتمسك ببرنامجها ورؤيتها السياسية ومقاومتها والالتزامات المترتبة على سيطرتها على قطاع غزة.
ثالث هذه الأسباب، تتصل بعدم الاتفاق على كيفية التعاطي مع أولويات وآليات المصالحة، حيث تصرّ حماس على أن تكون البداية من انعقاد المرجعية القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير كبداية للتعاطي مع الاتفاق رزمة واحدة، فيما تطرح حركة فتح مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية بديلاً عن حكومة الوفاق.
والسؤال هو: كيف يمكن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون حماس جزءاً أساسياً منها، في ظل استمرار السلطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال؟ وهل يمكن أن تحظى هذه الحكومة بغطاء دولي وإقليمي يحميها من غضب الاحتلال الذي شن حرباً مجرمة على قطاع غزة بعد أيام قليلة من تشكيل حكومة التوافق الوطني؟
والآن لم يبق لنا سوى الصلاة والدعاء لهما بالنجاح والتوفيق.
طلال عوكل
2016-01-28