أنفاق المقاومة في قطاع غزة , بمثابة هاجس الرعب الذي تصطدم به المخططات العدوانية لهيئة الأركان الصهيونية , وتعتبر أنفاق المقاومة بوابة الموت القادم للمستوطنين وجنود الإحتلال الذين يتوهمون سماع أصوات الحفر تحت أقدامهم كما تتناقل ذلك وسائل العبرية, وهي ذات الحالة النفسية التي سيطرت على المستوطنين والجنود الصهاينة, أثناء الإحتلال الإستيطاني لقطاع غزة , قبل هروبهم تحت ضربات الموجعة التي نفذتها المقاومة عبر إستخدام سلاح الأنفاق عام 2005م .
لعل ما دفعنا للحديث عن وحدة أنفاق المقاومة هو حادثة إستشهاد سبعة مقاومين أبطال من وحدة الأنفاق القسامية ,أثناء عملهم في أحد أنفاق المقاومة شمال قطاع غزة ,وسط أجواء المنخفض الجوي الباردة قبل أيام , وهي سطور تكشف جوانب من الفعل البطولي لرجال سكنوا باطن الأرض من أجل صناعة توازن للردع مع العدو الصهيوني , وتعمل على توفير الحصانة والحماية من أي إجتياح بري قد يقدم عليه الإحتلال وجعله أكثر كلفه مادياً وبشرياً, ولعل المواجهة الأخيرة في العصف المأكول كان خير شاهد على الأهمية القصوى لسلاح الأنفاق .
ومن حق المقاومة الفلسطينية أن تحصن عمل وحدة الأنفاق بسرية تامة , كسائر أعمال وحدات المقاومة المتعددة , وفي المقابل يسعى الإحتلال الصهيوني عبر مخابراته لإلتقاط أي معلومة عن الأنفاق في قطاع غزة ,ويحاول نشر العملاء لمعرفة بعض المعلومات عن حفر الأنفاق أو أمكان تواجدها, وكما يعمل الإحتلال يومياً عبر إستخدام آليات للتعقب والحفر على الحدود الشرقية لقطاع غزة للعثور على أنفاق المقاومة , بما تشكله من خطر محدق يتربص بأي تحرك للإحتلال ضد قطاع غزة , وهنا تنوه المقاومة الفلسطينية بشكل دوري للمواطنين في قطاع غزة بضرورة عدم تناول أي أخبار تتعلق بأنفاق المقاومة , خشية أن تصل هذه الثرثارات للمخابرات الصهيونية .
وتعتبر أنفاق المقاومة نموذج أخر من وسائل وأساليب المقاومة المستخدمة فلسطينياً والتي أسقطت نظرية الأمن الشخصي للمستوطنين الصهاينة , وأفقدت جنود الإحتلال الحصانة والحماية التي كان يتمتعون بها سابقا عبر الغطاء الجوي المتقدم , وكما عززت أنفاق المقاومة حالة الهزيمة النفسية لذا المستوطنين الذين يسكنهم الرعب والهلع المستمرة , من فكرة خروج مقاتل فلسطيني وسط المستوطنات الصهيونية, والتي تخضع لحماية أمنية مشددة من قبل جيش الإحتلال وتصرف في سبيل ذلك ملايين الشواقل من ميزانية وزارة الحرب الصهيونية , وهنا نورد بعض أقوال المستوطنين الصهاينة , والتي تكشف حجم الهلع والرعب الذي يعيشون فيه من جراء سلاح الأنفاق , ولعل المستوطنين في كيبوتس نيريم فقدوا حالة الأمن والأمان التي تسمح بإستمرار تواجدهم في المستوطنات القريبة من قطاع غزة ويعبرون عن ذلك في الإعلام العبري بقولهم " نرى عناصر حماس بأم أعيننا وهم يحفرون الأنفاق بالقرب من السياج الفاصل ، دون أن يحرك الجيش ساكناً " , يائير لابيد زعيم حزب يش عتيد الصهيوني المعارض يقول " بينما نحن جلوس الآن هناك أكثر من 1000 مقاتل يحفرون الأنفاق في مختلف أنحاء قطاع غزة وجزء منها تجاوز الحدود إلى(إسرائيل) " وعضو الكنيست الصهيوني حاييم يلين ورئيس تجمع مستوطنات "أشكول" سابقًا يقول نحو عام ونصف مرت على الحرب الأخيرة في صيف 2014 ، وحكومة (إسرائيل عاجزة ) عن منع جولة قتالية أخرى مع حماس ، فالأخيرة استطاعت إعادة بناء أنفاقها الهجومية، التي تعتبر كشبح يحوم فوق رؤوس سكان غلاف غزة ، فأنا من مستوطنة بيري وأشعر بما يشعر به سكان المستوطنات القريبة من غزة ", قد يكون هذا الحديث من باب التحريض أو تهيئة الأجواء التي تسمح بالعدوان على قطاع غزة تحت ذريعة إزالة خطر الأنفاق , إلا أن هذا الحديث الصهيوني له بعد أخر في معركة الوجود التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد المشروع الإستيطاني الصهيوني في فلسطين , وهذا ما يكشف عنه الخبير الصهيوني زئيف أوديد مناحم أخصائي علم الإجتماع التربوي , في تعليقه على تقرير تلفزيوني حول خطورة أنفاق المقاومة فيقول " لكن الصورة الآن تغيرت بشكل جذري وخطير أبناء جنوب (اسرائيل) البالغين من العمر عشر سنوات أصبحوا يرون العرب , وبالذات مقاتلي حماس وحوشا مرعبة تخرج من باطن الأرض لتخطف جنودنا , يرون مقاتلي حماس على وسائل الاعلام يقتلون الجندي الاسرائيلي الذي نعلمهم في المدارس أنه المنتصر دوما وأنه لا يقهر" , ويضيف الخبير الصهيوني " هؤلاء الأطفال سيصبحون جنودا بعد ثمانية سنوات وأنا أتساءل أي جيل هذا الذي سيدافع عن دولة (اسرائيل) وقد تربي على الرعب من أعدائنا ؟ أي جيل هذا الذي سيحمينا وهو يرى قادة دولة (اسرائيل) مهزومون في غزة ؟.
لقد شكلت الأنفاق مساحات مهمة لفصائل المقاومة في قطاع غزة , ووفرت لها إمكانية المناورة والمباغتة في المواجهة مع الإحتلال الصهيوني , ولقد برعت كتائب القسام على وجه التحديد في إنشاء شبكة الأنفاق التي أصبح الحديث عن أثرها ونتائجها في المعركة ضد الإحتلال بمثابة مفخرة للكل فلسطيني, فلقد إستطاعت المقاومة تطويع الأرض وجعلت من باطنها مستودع الغضب الفلسطيني, الذي يتأهب للنيل من العدو الصهيوني وإذلاله تحت أقدام المقاومين , ولعل المشاهد البطولية المبهرة للمقاومة الفلسطينية في الحرب الصهيونية صيف 2014 م , أكدت نجاعة إستخدام الأنفاق في مواجهة الحرب البرية , بل وفرت الحماية للمقاومين من إستهدافهم عبر طائرات الإحتلال, فيتحرك المقاتل الفلسطيني ويتنقل من منطقة إلى أخرى بكل أمان , بل يستطيع أن يناور العدو ويباغته في هجوم صاعق , وفي حالات كثيرة أوقعت عمليات المقاومة عبر الأنفاق العديد من القتلى والأسرى في صفوف الجنود الصهاينة خلال معركة العصف المأكول , وحققت شبكة أنفاق المقاومة الإرباك في خطط الجيش الصهيوني وأفشلت حربه البرية وعجلت بإنهاء عدوانه على قطاع غزة , وهذا ما عبر عنه قائد وحدة الهندسة في الجيش الصهيوني الجنرال شاحر افريجل بالقول أن " العالم تحت الأرض مليء بالمخاطر والتهديدات العسكرية، فالأنفاق ليست ظاهرة جيولوجية بل أمراً أكثر تعقيداً وتعج بالكمائن والمصائد التي يعدها العدو " وكما يضيف سامي ترجمان قائد المنطقة الجنوبية سابقاً : حماس في قطاع غزة لديها منظومة قتال تحت الأرض تشتمل على عشرات الأنفاق تربط بيوت مختلفة ببعضها البعض تحت الأرض, وفي إطار تفاعل قضية أنفاق المقاومة في الإعلام العبري مؤخراً يصف موقع "walla" القريب من المخابرات الصهيونية بمزاعم في تقرير له أن أنفاق حماس متشعبة لأنفاق جانبية وفتحات مختلفة، ممكن من خلالها تنفيذ عمليات متعددة الأشكال في وقت واحد, وإن تشعبات نفق واحد ممكن من خلالها أن ينفذ من الفتحة الأولى عملية اختطاف, ومن الفتحة الثانية عملية تفجير للبرج والموقع العسكري, ومن التشعب الثالث ممكن أن يتم إدخال مقاتلين إلى إحدى المستوطنات وقتل المستوطنين أو احتجازهم , ويضيف الموقع أن قيادة اللواء الجنوبي ووزير الحرب يعلون يفهمون جيدا أنه في أي عملية عسكرية كبيرة على غزة ستستخدم حماس هذه الأنفاق في تنفيذ عمليات كبيرة داخل الكيان, مما سبق من أقوال الصهاينة يتضح لنا الأثر الفعال والرادع لسلاح الأنفاق, والذي يشكل العقبة الرئيسية والمركزية في أي محاولة تقدم على الأرض , حيث لا يمكن وفقاً للمفاهيم العسكرية أن يكون هناك حسم لأي معركة وتحقيق أي إنتصار دون إنجاز في ميدان المعركة البرية , وهذا ما أحبطه سلاح الأنفاق وجعل منه صعب التحقيق الى جوانب عوامل أخرى مهمة تتمثل بنوعية الشباب الفلسطيني المقاوم المؤمن ,بالإضافة إلى الإحتضان الشعبي الكبير للمقاومة ورجالها والذي يسود في مدن قطاع غزة .
من أريد أن أقوله في نهاية مقالي أن المقاومة في قطاع غزة هي ملك للكل الفلسطيني , وأن وسائلها المبتكرة وإنجازاتها المبدعة هي تراكمية في مسيرة المقاومة الفلسطينية وهي تشق طريقها نحو التحرير إن شاء الله , والإفتخار بأفعال المقاومة شرف يعتز به الفلسطيني أينما وجد مهما كان لونه السياسي ,ومن حقه وواجبه أن يحتفي بهؤلاء الأبطال, وأن يثمن دورهم الطليعي في حرب التحرير الشعبية القادمة , والتي لن تطول ساعة إنطلاقتها الشاملة للخلاص من الإحتلال الصهيوني البغيض .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
29-1-2016م