تبنى تطلعات ومستقبل سائر المجتمعات البشرية في جانب كبير منه، على ما يتصف به جيل الشباب فيها، باعتبارهم القوة الحقيقية الفعالة في ميادين متعددة ومتنوعة، وها هم شباب فلسطين يكتبون صفحات المجد بدمائهم ،ويسمون ويرتقون بانتفاضتهم على ارض فلسطين الى طريق الحرية رغم جرائم الاحتلال ، بينما نحن نعول على جيل الشباب ليس في فلسطين فقط بل في الشتات والمنافي وحتى على الشباب العربي، ونحن نتطلع الى كافة الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية والاحزاب العربية حتى تمنحهم كل ما يحتاجونه و تؤهلهم بالفعل للقيام بالدور المنوط بهم في المجتمعات باعتباره يمتلك درجة عالية من الديناميكية والحيوية والمرونة، المتسمة بالاندفاع والانطلاق والتحرر والتضحية.
لكن ورغم كل ما يمتلكه الشباب الذي يُعتبر الثروة الأهم في بناء الحياة، فإننا نؤكد على ضرةرة عدم وضع العراقيل أمام جيل الشباب، حيث ان هؤلاء الشباب يحملون من مفاهيم التطور والعلم ما يمكنهم من مجاراة تقنيات العصر ومفاهيمه الحديثة، بحكم تمتعهم بروح المحاولة والاكتشاف.
ان ما يجري في فلسطين وخاصة بعد اتفاق اوسلو وفي ظل عدوان اجرامي يستهدف الشجر والحجر والبشر ، وامام المتغييرات التي طالت دول المنطقة في السنوات الأخيرة ، نرى ان الشباب الفلسطيني والعربي بدأ يمتلك روحاً مبدعة خلاقة في التعامل في فلسطين ومع أزمات المجتمع، من خلال ادوراهم المختلفة إنها جهود جبارة واستثنائية، في ظروف قاهرة واستثنائية أيضا، جهود علينا في كافة الاجزاب والقوى العربية والفلسطينية تقديرها واحترامها والاعتراف بضرورتها وأهميتها في ظل هذه الظروف الدقيقة، والعمل على تقديم كل ما يمكن ويلزم لهذه الطليعة من الشباب.
إن ما تعيشه فلسطين اليوم هو من انتفاضة شعبية محرّكها الشباب الفلسطيني الثائر، والمرأة الفلسطينية المناضلة هي الفدائية والطالبة والأم ،الفتاة التي تطعن الصهاينة و تتصدر المواجهات والام التي تربي ابنها ليكون مشروع فدائي شهيد تثبت مع مرور الأيام دورها الفعال في مسار القضية الفلسطينية، وكل ذلك يؤسس لمرحلة جديدة يقودها الشباب والأطفال والطلبة الجامعيون وهي تخطت حالة غضب محدود على الأقصى، فهي اصبحت معركة على ارض فلسطين من خلال مجموعة الشهداء واستمرار وتيرة المواجهات أو التحول إلى حرب العصابات أو حرب الشوارع ، حيث كسر الشباب حاجز الخوف ، رغم ادراكنا أن لا حرية واستقلال وتحرر من نير الاحتلال دون تضحيات.
من هنا نقول ان الشباب هم طاقة إنسانية تتميّز بالحساسية والحماسة والجرأة والمثالية المترفعة عن المصالح الذاتية والانتماءات الضيّقة، وهم يشكلون روافد النضال الوطني في مختلف الميادين من أجل الاستمرار في الدرب الذي اختطوه لأنفسهم على طريق الحرية والاستقلال .
ونحن عندما نتحدث عن دور الشباب في الانتفاضة الفلسطينية ، نتحدث عن المبادرات الشبابية، التي تنوعت أشكالها وتعددت أهدافها في الضفة وغزة والشتات من اجل انهاء الانقسام وتعزيز
الوحدة الوطنية، فكانت شكلاً من أشكال التنظيم والعمل الجماعي الذي يتوق إليه الشباب أيضا، فما إن يعلن عن مبادرة من هنا أو هناك، آملين بتقديم بعض الجهد من الجميع لنشر أفكارهم، بل وتطبيق هذه الأفكار ونقلها من حيزها النظري إلى الواقع العملي، فتصبح الأحلام والآمال واقعا.
ان إعداد الشباب يشكل مسؤولية مهمة في مسيرة النضال، لانهم من حقهم ان يتولوا المسؤولية ويحملوا ألامانة ويكونوا نواة التغيير والتحرير، فهم على قدر المسؤولية، لأن هذا الجيل الذي خرج للمشاركة في الانتفاضة جيل يأبى أن يستسلم ويتجرع الذل والمهانة ولن يرضى بأقل من أن تحرر أرضه وأن يعيش بكرامة وحرية على أرضه.
أن هؤلاء الشباب لم يتمكنوا من القيام بدورهم أثناء الدراسة الجامعية ، هذا كله انعكس على الشباب ووجدوا أنفسهم في مرحلة الضياع ما بين الهم الوطني والهم الشخصي في ظل ازدياد البطالة والفقر ،وهم اليوم يعبرون عن قضيتهم الوطنية قبل أن يعبروا عن ما بداخلهم من قمع وغياب الأمل والأفق ، ولكن هؤلاء الشباب والشابات لهم دور كبير يجب أن يتبلور أكثر ، لأنهم جيل يعول عليه في التحرير وبناء الوطن ومقاومة الاحتلال بشتى الوسائل ولديهم رؤى ونضج في قضيتهم الوطنية .
ان جيل الانتفاضة اليوم يحمل أهدافاً نبيلة، تسعى للرقي بالعمل الجماعي ومحاولة تطوير البنية الفكرية المجتمعية والمساهمة في تطوير وسائل النضال، فهم لا يتسترون وراء تلك الغايات النبيلة من أجل تحقيق مآرب أخر مثلاً، بل ان الشباب يحملون اهداف وطنية يسعون لتحقيقها ، وهذه الخصوصية التي يتمتع بها الشباب ، ليخرجوا من دائرة الإحباط واليأس ، في مواجهة الاحتلال .
وفي هذا الصدد، ينبغي أن نهتم بالجهود الجديدة التي يبذلها الشباب الفلسطيني في الشتات وعلى أرض فلسطين ، ومن الأهمية بمكان أيضا أن نقدِرَ، قبل كل شيء، الجهود المضنية التي يبذلونها لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني، في الفترة الحالية - بقواعده الشعبية وشرائحه كافة ، لترسم هذه الجهود مسارا جديدًا للسياسة الفلسطينية التي تهدف إلى توحيد المجتمع الفلسطيني حول رؤية مشتركة للعدالة والتحرير والعودة، وتوفر فضاء جديدا من أجل النضال الفلسطيني واستدامتها.
ان تحديات اللجوء والهوية في واقع اجتماعي ونفسي أليم لا يبدو أن ثمة أملا لتغييره نحو الأفضل أو حل مشكلاته المزمنة في المدى المنظور،هذا هو التحدي الذي يواجه الفلسطينيين في لبنان جميعا، على مستوى م. ت. ف. أو الفصائل أو المجتمع الأهلي، وهذا هو معنى المسؤولية المشتركة وخاصة في ظل تقليصات خدمات الاونروا على المستوى الصحي ، حيث نرى ان جيل الشباب بحراكهم الشبابي والجماهيري الفلسطيني يؤكد ان من واجبه النضال من اجل مواجهة سياسة تقليصات وكالة الغوث لانها تعتبر قرارات سياسية بامتياز ، وهو يؤكد للعالم بأن فلسطين حاضرة في قلب ووجدان وعقل الشباب الفلسطيني، وأن كل سنوات اللجوء والشتات لا يمكن ان تمحي حقهم بالعودة من قاموس النضال الفلسطيني.
من هنا نقول من حق شباب فلسطين اليوم بانتفاضته الشعبية ، العمل على إثبات الهوية الفلسطينية الفكرية والثقافية والسياسية واعادة التراث والتاريخ الفلسطيني والعمل من اجل لفت نظر العالم الى عدالة القضية الفلسطينية باعتبار نضاله هو السلاح الأقوى في المعركة الدائرة مع العدو الصهيوني الذي لا يتوانى لحظة عن سلخ الشعب عن هويته التاريخية الأصيلة، فالمعركة مع العدو الصهيوني تتخذ عدة أوجه ، فالشعب الفلسطيني يمتلك جيل من الشباب أثبت استعداده الكبير للتضحية بإرادة وعزيمة كبيرة، وعدونا الاسرائيلي يعيش الخوف والقلق والرعب.
ختاما : إن الدماء الزكية التي تسيل على ارض فلسطين، هي أقوى من آلة الحرب الهمجية الصهيونية حيث يثبت الشباب الفلسطيني أنهم في قلب المعركة التي يخوضها الشباب العربي بمقاومتهم بمواجهة القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية والارهابية ، وهم قادرون على تحقيق النصر وهزيمة الاحتلال، بمزيد من الوحدة، وعلينا ان ندعم الانتفاضة بكافة الوسائل ومنها انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الشراكة الوطنية ورسم استراتيجية سياسية وكفاحية ونضالية مشتركة تفعل كل اشكال المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وسياسته العنصرية التوسعية، وتفرض على المجتمع الدولي أن يعيد النظر بسياساته المنحازة الى جانب الكيان الصهيوني، للوصول الى تحقيق الاهداف الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة .
بقلم/ عباس الجمعة